العادة والجبلَّة والتَّقصير في حقوق يعارضها الصَّوم الدَّائم، ومقادير ذلك بالفائت مع مقادير الحاصل من الصَّوم، غير معلوم لنا.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ"؛ يحمل على أنَّه لا فوق في الفضيلة المسؤول عنها.
قلت: والذي تقتضيه الأدلَّة كلُّها، وفعل الصَّحابة - رضي الله عنهم - وغيرهم، وتقرير حمزة بن عمرو وغيره، وأمره - صلى الله عليه وسلم - بإكثار الصَّوم لمن لا يستمع التَّزوج، وسرده - صلى الله عليه وسلم - الصَّوم في بعض الشُّهور والإفطار في بعضها، وتخفيف المشقة في الصَّوم سردًا، والمشقة في تفريقه يومًا يومًا: أنَّ الأفضلية تختلف باختلاف الأشخاص، على حسب حاجتهم إليه، والقيام بحقوق الله -عز وجل-، وفي غيره لا [يتقدر] بصوم يوم يوم، ولا بالسَّرد؛ جمعًا بين الأدلة، والثَّواب وكثرته وقلَّته راجع إلى ما ذكرته، لا إلى كثرة العمل وقلَّته، بل إلى الإخلاص فيه والمقاصد، فربَّ عمل قليل أفضلُ من كثير، والذي ذكر من الترجيحات، إنَّما هو بالنِّسبة إلى الظاهر، والله سبحانه أعلم.
ومنها: استحباب صيام ثلاثة أيَّام من كل شهر، وقد اختلف العلماء في تعيينها اختلافًا كثيرًا، وهو اختلاف في تعيين الأحسن، والأفضل لا غير.
وليس في هذا الحديث شيء مما يدل على تعيين شيء، بل فيه تعليله بأنَّ الحسنة تضاعف بعشر أمثالها.
وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم ثلاثة أيَّام من كلِّ شهر، ولم يكن يبالي من أي الشَّهر كان يصوم، وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - بالصوم من سرة الشَّهر، ومن سرر الشَّهر، ولا شك أنَّ سرة الشَّهر وسطُه، فيكون المراد بالثلاثة: الأيامَ البيض؛ وهي الثالثَ عشرَ، والرابع عشر، والخامس عشر، وجاءت مبينة في حديث عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في التِّرمذي، وغيره (١).
ولعلَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - نبه بسرة الشَّهر، وبحديث الترمذي في أيَّام البيض، على