للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رمضان من تلك السنة، ولم يزل بأيديهم حتى استنقذه السّلطان صلاح الدّين في التاريخ المذكور، فتكون مدة بقائه في أيديهم احدى وتسعين سنة.

وكانت قاعدة (١٦٢) الصّلح بينهم أنهم قطعوا على أنفسهم عن كلّ رجل عشرين دينار، وعن كل امرأة خمس دنانير صورية / وعلى كلّ صغير ذكرا كان أو أنثى دينارا واحدا، فمن أحضر قطيعته نجا والا أخذ أسيرا، وأفرج عمّن كان بالقدس من أسارى المسلمين، وكانوا خلقا كثيرا، وأقام به يجمع الأموال ويفرّقها على الأمراء والرّجال، ويحبو بها الفقهاء والعلماء والزّهّاد والوافدين عليه، ويقوم بايصال من قام بقطيعته (١٦٣) إلى مأمنه، وهي مدينة صور، ولم يرحل عنه ومعه من المال الذي جبي له شيء، وكان يقارب مائتي ألف دينار وعشرين ألفا، وكان رحيله عنه يوم الجمعة الخامس والعشرين من شعبان من تلك السنة.

ولمّا فتح القدس حسن عنده فتح صور وعلم ان أخّرها ربما عسر عليه فتحها، فسار نحوها حتى أتى عكا (١٦٤) فنزلها ونظر في أمورها، ثم رحل عنها متوجها إلى صور يوم الجمعة خامس شهر رمضان، فنزل قريبا منها، وأرسل لاحضار آلات القتال وضايقها، واستدعى أسطول مصر، فكان يقاتلها في البر والبحر، ثم خرج أسطول صور ليلا فكبس على أسطول المسلمين، فأخذوا المقدم والريّس وخمس قطع للمسلمين، وقتلوا خلقا كثيرا من المسلمين في السابع والعشرين من الشهر، فعظم ذلك على السّلطان، وكان الشّتاء قد هجم وتراكمت الأمطار، فجمع الأمراء واستشارهم فيما يفعل، فأشاروا عليه بالرّحيل ليستريح الرّجال، ويجتمعوا للقتال / فرحل عنها، وحمل من الآلات المعدّة للحصار ما أمكن حمله، وحرق ما عجز عن حمله لكثرة الوحل والمطر، فرحل يوم الأحد ثاني ذي القعدة من تلك السنة، وتفرّقت العساكر، وأعطى كل طائفة منهم دستورا، وسار كل قوم إلى بلادهم، وأقام هو مع جماعة من خواصّه بمدينة عكّا إلى أن دخلت سنة أربع وثمانين وخمسمائة (١٦٥). ونزل على كوكب (١٦٦) في أوائل محرم من هذه السنة، ولم يبق معه من العساكر إلاّ القليل، وكان حصنا حصينا وفيه من الرّجال والأقوات كثير، فعلم


(١٦٢) نقل عن ابن شداد بواسطة ابن خلكان الوفيات ٧/ ١٨٨.
(١٦٣) أي: دفع دينه.
(١٦٤) في الأصول: «عكة».
(١٦٥) ١١٨٨ - ١١٨٩ م.
(١٦٦) في الأصول: «نول» والمثبت من الوفيات ٧/ ١٨٩.