للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كثيرا ينيف على ألف ألف نفس بحيث لم يعهد في الإسلام ولا في الجاهلية، ولا في الأمم السابقة من قتل النفوس ما قتله إسماعيل شاه، وقتل عدة من أعاظم العلماء بحيث لم يبق أحدا من أهل العلم في بلاد العجم، وأحرق جميع كتبهم ومصاحفهم لكونها مصاحف أهل السّنّة، وكلّما مرّ بقبور المشايخ نبشها وأحرق عظامهم بعد إخراجها، وكان مختلّ العقل فمن جملة حماقاته (٣٤٢) أن جعل كلبا من كلاب الصّيد أميرا ورتّب له ترتيب الأمراء من الخدم والكواخي والسّماط والأوطاق وفرش الحرير ونحو ذلك، وجعل له سلاسل من ذهب ومسندة ومرتبة يجلس عليها كالأمراء، وكان أتباعه يعتقدون ألوهيته (٣٤٣) وأنه لا ينهزم أبدا.

فلما وصلت أخباره إلى السّلطان سليم خان غضب لله من هذه الكفريات المبكية والسّخريات المضحكة، فأقدم على نصر الشريعة المشرّفة والسّنّة المطهّرة، وعدّ قتال هذه الفرقة الضّالّة المضلّة من أفضل الجهاد ليمحو آثار هذه الفتنة الخبيثة وينصر السّنّة المحمّدية والملّة الحنيفية، فركب بخيله ورجله حتّى التقى الجمعان بعد مقاساة أهوال وشدة أحوال وكادت (٣٤٤) الخلائق تفنى [ثم] أنزل الله النّصر على أهل السّنّة والدّمار والهلاك على أهل الكفر والبدعة، فانهزم شاه إسماعيل وقتل غالب جنوده ونصر الله تعالى السّلطان سليم وعساكر السّنّة / فأتبعت عساكره آثار القوم الفاسقين، وذهب شاه إسماعيل منهزما فارّا مذموما مدحورا، {ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ} (٣٤٥)، وغنم السّلطان سليم وعساكره ما كان جمع شاه إسماعيل ممّا لا نظير له من ذخائر الملوك وكنوزهم، ثم أعطى الأمان العام بعد قتل من يستحقّ القتل، وأسر من يستحقّ الأسر من رؤوس الفساد، وأراد السّلطان سليم أن يقيم في تبريز للإستيلاء (٣٤٦) على إقليم العجم والتّمكّن (٣٤٧) من تلك البلاد على الوجه الأتم، فما أمكنه ذلك لكثرة القحط واستيلاء الغلاء حتى بيعت العليقة بمائتي درهم، وبيع الرّغيف بمائة درهم، لأن القوافل الّتي


(٣٤٢) في ت وط: «حماقته».
(٣٤٣) في الإعلام للنهروالي: «يعتقدون فيه الألوهية».
(٣٤٤) في ط وب: «وكانت»، وفي ش: «وكانت الخلايق في عسر إذ أنزل».
(٣٤٥) إقتباس من الآية ٢: سورة المسد.
(٣٤٦) في الأصول: «تدبير الإستيلاء».
(٣٤٧) في الأصول: «الممكن».