للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه كلام إبن عطية وغيره كالثعالبي (٥٣٨)، ويتكلّم عليه بالوعظ بما يليق بالمحل، ويجلب لذلك ما يليق من حكايات الصّالحين، ويطول الكلام جدّا وهو لا ينظر إلاّ أمامه، ويقرأ عليه دولة في مسلم وربما يعظ عليه، ودولة في سيرة إبن إسحاق، ودولتان في الرقائق، وربما يزيد ثالثة، وعند فراغ هذا يحضر الطلبة المبتدؤون أصحاب الرّسالة والجلاب وابن الحاجب فيقرؤون / متّصلا بما ذكر فيحصل وقت الظّهر، فيخرج الشّيخ لينال شيئا من الطّعام ليتقوّى به على الطّاعة (٥٣٩) ويفتي بخطّه فيما سئل عنه وهو في الميعاد، ويتوضّأ ويصلّي بالنّاس في مسجده الظّهر قرب أذان العصر ويجلس لمن يجود عليه إلى أذان المغرب فإذا صلّى المغرب جلس للتّجويد إلى صلاة العشاء الأخيرة بعد تأخيرها وقتا ما، ويدخل حينئذ لداره، وكلّ سؤال يأتيه من بعد صلاة الظّهر يفتي فيه بالليل مع نظره دول الميعاد ويناوله بكرة، وكانت الفتوى سهلة عليه وموفّقا فيها على البديهة، من ذلك أنّه سئل: هل يجوز أن يؤمّ النّاس من يأخذ المال من الظلمة قراضا أم لا؟ فأجاب بأنّ منصب الإمامة عال، والإمام شفيع لمن خلفه، ولا يكون الإمام ذا وجاهة عند المشفوع إليه إلاّ إذا كان واقفا عند أمره ونهيه، وبسيرته في ميعاده ووعظه كبر تعظيم النّاس له فوق غيره، وكان لا يأخذ من السّلطان مرتّبا على قراءته بل كان يتقوّت من الفلاحة.

ولمّا وصل السّلطان أبو العبّاس أحمد إلى القيروان في أوّل سفرة سافرها من تونس قاصدا بلاد الجريد أسرع النّاس في السّلام عليه خارج القيروان، وكان الشّيخ إذا قيل له:

تخرج للسّلام عليه يقول: إنّا ندعو له حتى قيل له: إنه بجامع القيروان، فخرج له، فلمّا مشى يسيرا وجد السّلطان آتيا إليه فأراد أن يزيل إحرامه (٥٤٠) من فوق عمامته عملا بالعادة، فحلف له لا فعلت، فقال له: / أين نجلس؟ فقال له: بدار الشيخ أبي (٥٤١) محمد بن أبي زيد، وكان مسجده قريبا منها، فدخل هو وأخوه شقيقه زكرياء وطالبان إثنان وغلقوا الباب، فقال السّلطان: يا سيدي طلبت منك أن تكون قاضيا،


(٥٣٨) ويقال الثعلبي أيضا.
(٥٣٩) في ط: «على طاعة الله».
(٥٤٠) لفظة عامية لكساء الصّوف استعملت منذ العصر الحفصي، والاحرام بقي لباس الطّبقات العالية إلى القرن الثالث عشر، ويؤثر عن الشّيخ محمّد الطّاهر بن عاشور (الجد) أنّه قال لمن عذله في لبس الاحرام: «هذا حولي فدونك وقولي».
(٥٤١) ساقطة من ط.