(بِعَيْنٍ أَوْ عُرُوضٍ قَدِمُوا بِهَا) مِنْ بِلَادِهِمْ لَا بِثَمَنِ مَا بَاعُوهُ، لِأَنَّهُ قَدْ أُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرُهُ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِمَّا اشْتَرَوْهُ بِالْبَاقِي شَيْءٌ.
وَبَالَغَ عَلَى أَخْذِ عُشْرِ الثَّمَنِ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ اخْتَلَفُوا) أَيْ تَرَدَّدُوا إلَى غَيْرِ إقْلِيمِهِمْ (فِي السَّنَةِ مِرَارًا) لِفِعْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ الِانْتِفَاعُ، وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْحَوْلِ إلَّا مَرَّةً كَالزَّكَاةِ، وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ شَيْءٌ كَالْمُسْلِمِ.
وَفَرَّعَ عَلَى مَا قَدَّمَهُ قَوْلَهُ: (فَلَوْ اشْتَرَوْا) سِلَعًا (بِإِقْلِيمٍ) غَيْرِ إقْلِيمِهِمْ (وَبَاعُوا) مَا اشْتَرَوْهُ (بِآخَرَ) أَيْ بِإِقْلِيمٍ آخَرَ كَأَنْ يَشْتَرِيَ مِصْرِيٌّ سِلَعًا فِي الشَّامِ وَيَبِيعَهَا بِالرُّومِ (أُخِذَ مِنْهُمْ) الْعُشْرُ (عِنْدَ كُلٍّ) مِنْ الْإِقْلِيمَيْنِ فَأَكْثَرَ. لَكِنَّ الَّذِي اشْتَرَوْا فِيهِ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِيهِ عُشْرُ السِّلَعِ الْمُشْتَرَاةِ، وَاَلَّذِي بَاعُوا فِيهِ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِيهِ عُشْرُ ثَمَنِ مَا بَاعُوهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(إلَّا) إذَا بَاعُوا أَوْ اشْتَرَوْا (بِإِقْلِيمِهِمْ) وَلَوْ بِانْتِقَالِهِمْ مِنْ بَلَدٍ لِآخَرَ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ وَلَوْ تَبَاعَدَ مَا بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ.
ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: " أُخِذَ عُشْرُ ثَمَنِ " إلَخْ قَوْلَهُ (إلَّا) إذَا جَلَبُوا (الطَّعَامَ بِالْحَرَمَيْنِ فَقَطْ) ، أَيْ إلَيْهِمَا وَالْمُرَادُ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَمَا أُلْحِقَ بِهِمَا مِنْ الْبِلَادِ، وَمُرَادُهُ بِالطَّعَامِ كُلُّ مَا يُقْتَاتُ بِهِ أَوْ يَجْرِي مَجْرَاهُ فَيَشْمَلُ جَمِيعَ الْحُبُوبِ وَالزُّيُوتِ وَالْأَدْهَانِ وَمَا أُلْحِقَ بِذَلِكَ كَمِلْحٍ وَبَصَلٍ وَتَابِلٍ، (فَنِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ) أَيْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ. وَإِنَّمَا خُفِّفَ عَنْهُمْ فِي الطَّعَامِ فِي الْبَلَدَيْنِ لِشِدَّةِ حَاجَةِ أَهْلِهِمَا لَهُ فَيَكْثُرُ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ] إلَخْ: إنَّمَا اسْتَثْنَى ذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ: " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ الْقِبْطِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ نِصْفَ الْعُشْرِ، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكْثُرَ الْحَمْلُ إلَى الْمَدِينَةِ ".
قَوْلُهُ: [لِشِدَّةِ حَاجَةِ أَهْلِهِمَا] : وَقِيلَ لِفَضْلِهِمَا، وَفِي ابْنِ نَاجِي ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي صَاحِبَ الرِّسَالَةِ أَنَّ قُرَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَيْسَتْ كَهُمَا وَأَلْحَقَهَا ابْنُ الْجَلَّابِ بِهِمَا (اهـ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: [تَجْرِي فِي الْحَرْبِيِّينَ] : قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَهَلْ الْحَرْبِيُّونَ مِثْلُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْعِلَّةِ فَالْعِلَّةُ جَارِيَةٌ فِي الْجَمِيعِ، قَالَ الشَّيْخُ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ أَبِي الْحَسَنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مِثْلُهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute