(كَمَسْجِدٍ) فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلسَّائِقِ بِمَكَانٍ فِيهِ (إلَّا أَنْ يَعْتَادَهُ) فِي الْجُلُوسِ (غَيْرُهُ) : أَيْ غَيْرُ السَّابِقِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لِتَعْلِيمِ عِلْمٍ أَوْ إقْرَاءٍ أَوْ فَتْوَى فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهِ. وَقِيلَ: لَا يُقْضَى بَلْ يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِالْقِيَامِ مِنْهُ لَهُ بِغَيْرِ إلْزَامٍ.
(وَ) قَضَى عَلَى جَارٍ (بِسَدِّ كَوَّةٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا: أَيْ طَاقَةٍ (حَدَّثَتْ) وَأَشْرَفَتْ عَلَى الْجَارِ وَأَمَّا الْقَدِيمَةُ فَلَا يُقْضَى بِسَدِّهَا. وَيَقُولُ لِلْجَارِ: اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِك إنْ شِئْت. وَكَذَا إنْ كَانَتْ عَالِيَةً لَا يُمْكِن التَّطَلُّعُ عَلَى الْجَارِ مِنْهَا إلَّا بِصُعُودٍ عَلَى سُلَّمٍ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [كَمَسْجِدٍ] : الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِلطَّاعَةِ الْمُبَاحُ لَيَشْمَلَ عَرَفَةَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي التَّفْصِيلِ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالسُّوقِ؟ حَيْثُ قُلْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ: يُقْضَى بِهِ لِلسَّابِقِ مَا لَمْ يَعْتَدْهُ غَيْرُهُ وَفِي السُّوقِ: يُقْضَى بِهِ لِلسَّابِقِ وَلَوْ أَشْهَرَ بِهِ غَيْرُهُ، مَعَ أَنَّهُ كُلًّا مُبَاحٌ وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ فِيهِ حَقٌّ؟ قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّ الْمَسْجِدَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مُبَاحٌ مُرَغَّبٌ فِيهِ بِمَدْحِ التَّعَلُّقِ بِهِ فِيهِ يَتَنَافَسُ الْمُتَنَافِسُونَ، فَلِذَلِكَ قَيَّدَ الْقَضَاءَ فِيهِ لِلسَّابِقِ بِعَدَمِ اعْتِيَادِهِ لِلْغَيْرِ، وَالسُّوقُ - وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لِلْجُلُوسِ فِيهِ - فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَ الضَّرُورَاتِ فَلَا تَتَنَافَسُ فِيهِ الْعُقَلَاءُ وَلِذَلِكَ وَرَدَ: «أَنَّ خَيْرَ الْبِقَاعِ الْمَسَاجِدُ وَشَرُّهَا الْأَسْوَاقُ» .
قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلسَّابِقِ] : وَانْظُرْ: هَلْ يَكْفِي السَّبْقُ بِالْفَرْشِ فِيهِ؟ أَوْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِذَاتِهِ وَالسَّبْقُ بِالْفُرُشِ تَحْجِيرٌ؟ لَا يَجُوزُ ذُكِرَ (ح) فِيهِ خِلَافًا.
قَوْلُهُ: [إلَّا أَنْ يَعْتَادَهُ] : أَيْ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» .
قَوْلُهُ: [وَقِيلَ لَا يُقْضَى] : الْمُعْتَمَدُ الْقَضَاءُ لِلْمُشْتَهَرِ.
قَوْلُهُ: [وَكَذَا إنْ كَانَتْ عَالِيَةً] : مِثْلُ الْعُلْوِ مَا إذَا كَانَ يَتَرَاءَى مِنْهَا الْمَزَارِعُ وَالْحَيَوَانَاتُ، فَمَحَلُّ السَّدِّ إنْ كَانَ يَتَطَلَّعُ مِنْهَا عَلَى الْحَرِيمِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute