(وَ) قَضَى (بِهَدْمِ بِنَاءٍ فِي طَرِيقٍ) يَمُرُّ فِيهَا النَّاسُ (وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ) بِالْمَارِّينَ، إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ مَعَ كَوْنِ الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ شَأْنُهُ الضَّرَرُ. وَقَدْ كَثُرَ ذَلِكَ فِي مِصْرَ، فَكُلُّ مَنْ بَنَى أَوْ جَدَّدَ لَهُ بَيْتًا يَزْحَفُ بِبِنَائِهِ أَوْ بِحَانُوتِهِ بِسِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى صَارَتْ الطُّرُقُ ضَيِّقَةً تَضُرُّ بِالنَّاسِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ.
(وَ) قَضَى (بِجُلُوسِ بَاعَةٍ بِأَفْنِيَةِ دُورٍ لِبَيْعِ خُفٍّ) لَا إنْ كَثُرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: " لِبَيْعٍ " مِنْ جُلُوسِهِمْ لِلتَّحَدُّثِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُمْ يُقَامُونَ. (وَ) قَضَى (لِلسَّابِقِ) مِنْ الْبَاعَةِ لِلْأَفْنِيَةِ إنْ نَازَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَلَوْ اُشْتُهِرَ بِهِ ذَلِكَ الْغَيْرُ.
ــ
[حاشية الصاوي]
مَثَلًا، فَإِذَا كَانَ طُولُهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ فِي عَرْضِ شِبْرَيْنِ مَثَلًا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ بِالْقُرْعَةِ، وَلَا يُقَسَّمُ عَرْضًا بِأَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شِبْرًا مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي يَلِيه بِطُولِ الْعِشْرِينَ ذِرَاعًا بِأَنْ يَشُقَّ نِصْفَهُ كَمَا رَأَى عِيسَى بْنِ دِينَارٍ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ فَسَادٌ إنْ كَانَ بِالْقُرْعَةِ. وَأَمَّا بِالتَّرَاضِي فَيَجُوزُ طُولًا أَوْ عَرْضًا إذَا تَرَاضَوْا عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ جِهَتِهِ وَيُقْضَى عَلَى الْجَارِ أَيْضًا بِإِعَادَةِ جِدَارِهِ السَّاتِرِ لِغَيْرِهِ إنْ هَدَمَهُ ضَرَرًا إلَّا لِإِصْلَاحٍ أَوْ هَدْمٍ بِنَفْسِهِ فَلَا يُقْضَى عَلَى صَاحِبِهِ بِإِعَادَتِهِ، وَيُقَالُ لِلْجَارِ اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِك إنْ شِئْت.
قَوْلُهُ: [وَقَضَى بِهَدْمِ بِنَاءٍ فِي طَرِيقٍ] : أَيْ نَافِذَةٍ أَوْ لَا مَا لَمْ تَكُنْ أَصْلُهَا مِلْكًا لَهُ، بِأَنْ كَانَتْ دَارًا لَهُ وَانْهَدَمَتْ وَصَارَتْ طَرِيقًا فَلَهُ الْبِنَاءُ وَلَا يُهْدَمُ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ حَتَّى يَظُنَّ إعْرَاضَهُ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا كَلَامٌ.
قَوْلُهُ: [بَاعَةٌ بِأَفْنِيَةِ دُورٍ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُقْضَى بِجُلُوسِ الْبَاعَةِ بِأَفْنِيَةِ الدُّورِ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ: إنْ خَفَّ الْجُلُوسُ وَلَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ لِاتِّسَاعِ الطَّرِيقِ، وَأَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ نَافِذَةً، وَأَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُمْ لِلْبَيْعِ. وَبَاعَةٌ: أَصْلُهُ بِيَعَةٌ بِفَتْحِ الْيَاءِ: جَمْعُ بَائِعٍ؛ كَحَاكَةٍ وَحَائِكٍ صَاغَةٍ وَصَائِغٍ، تَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا، وَفِنَاءُ الْمَسْجِدِ كَفِنَاءِ الدُّورِ، وَالرَّاجِحُ جَوَازُ كِرَاءِ الْأَفْنِيَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ لِدُورٍ أَوْ حَوَانِيتَ، فَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الدُّورِ وَالْحَانُوتِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ مِنْ الْبَاعَةِ الَّذِينَ يَجْلِسُونَ كَثِيرًا فِي فِنَاءِ دَارِهِ أَوْ حَانُوتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute