الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ قَبْضُ الْأَوَاخِرِ. وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ وَلَوْ شَرَعَ، لِأَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ لَيْسَ قَبْضًا لِلْأَوَاخِرِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: " لَمْ يَشْرَعْ ": أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ سَوَاءٌ كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا، وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فِي إبَّانِ السَّفَرِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، فَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةً بِقَوْلِهِ:
(إلَّا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ) : أَيْ مَسَافَةِ السَّفَرِ، حَجًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ (فِي غَيْرِ الْإِبَّانِ) : أَيْ وَقْتِ سَفَرِ النَّاسِ عَادَةً، كَمَا لَوْ وَقَعَ عَقْدُ الْكِرَاءِ لِحَاجٍّ مَعَ جَمَّالٍ فِي مِصْرَ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي أَوَائِلِ شَوَّالٍ، فَإِنَّ شَأْنَ الْمِصْرِيِّ إنَّمَا يَسِيرُ فِي آخِرِ شَوَّالٍ (فَالْيَسِيرُ) : أَيْ فَيَكْفِي تَعْجِيلُ الْيَسِيرِ مِنْ الْأَجْرِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ تَعْجِيلُ الْجَمِيعِ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ تَعْجِيلَ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ
يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِسَبَبِ هُرُوبِ الْجَمَّالِينَ إذَا قَبَضُوا الْأُجْرَةَ
. فَعُلِمَ أَنَّهُ إنْ تَأَخَّرَ الشُّرُوعُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ وَإِلَّا فَسَدَتْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا فَيَكْفِي، تَعْجِيلُ الْيَسِيرِ مِنْهُ لِلضَّرُورَةِ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ الشُّرُوعُ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْأُجْرَةِ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ الْعَمَلُ يَسِيرًا فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْجِيلِ، وَأَقَرَّهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَعَلَيْهِ: فَلَا يَكُونُ قَبْضُ الْأَوَائِلِ كَقَبْضِ الْأَوَاخِرِ إلَّا فِي الْيَسِيرِ (انْتَهَى - ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ) .
(وَإِلَّا) يَكُنْ الْأَجْرُ مُعَيَّنًا وَلَا شُرِطَ تَعْجِيلُهُ وَلَا الْعَادَةُ تَعْجِيلُهُ وَلَا الْمَنَافِعُ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [قَبْضٌ، لِلْأَوَاخِرِ] : هَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ.
قَوْلُهُ: [وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ] : أَيْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ لَيْسَ قَبْضًا لِلْأَوَاخِرِ، فَيَجِبُ تَعْجِيلُ النَّقْدِ فِي الْمَنَافِعِ الْمَضْمُونَةِ شَرَعَ فِيهَا أَمْ لَا، وَالْأَوَّلُ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ.
قَوْلُهُ: [وَلَا يَتَعَيَّنُ تَعْجِيلُ الْجَمِيعِ] : أَيْ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ فَيَكْفِي تَعْجِيلُ الدِّينَارِ وَالدِّينَارَيْنِ. فَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً فِي نَفْسِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِهَا كُلِّهَا كَمَا قَالَ.
قَوْلُهُ: [ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ] : مُرَادٌ بِهِ (بْن) .
قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَكُنْ الْأَجْرُ مُعَيَّنًا] : مَفْهُومُ قَوْلِهِ أَوْ عُيِّنَ.
وَقَوْلُهُ: [وَلَا شُرِطَ تَعْجِيلُهُ وَلَا الْعَادَةُ تَعْجِيلُهُ] : مَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ شُرِطَ أَوْ اُعْتِيدَ.
وَقَوْلُهُ: [وَلَا الْمَنَافِعُ] : مَضْمُونَةٌ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ فِي مَضْمُونَةٍ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُخَلْبَطٌ.