الْمَصْلَحَةِ
وَالِانْتِفَاعِ بِالْحَطَبِ وَحَلْبِ الدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ غُدُوًّا وَرَوَاحًا فِي الْيَوْمِ، فَيَخْتَصُّونَ بِهِ. وَلَهُمْ مَنْعُ غَيْرِهِمْ مِنْهُ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لِلْجَمِيعِ، وَمَنْ أَتَى مِنْهُمْ بِحَطَبٍ مِنْهُ أَوْ حَشِيشٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مَلَكَهُ وَحْدَهُ. نَعَمْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ مِنْهُ مَا شَاءَ لِمَنْ شَاءَ بِالنَّظَرِ كَمَا سَيَأْتِي. وَبَيَّنَ حَرِيمَ الْبِئْرِ بِقَوْلِهِ: (وَمَا يَضِيقُ عَلَى وَارِدٍ) لِشُرْبٍ أَوْ سَقْيٍ (وَيَضُرُّ بِمَاءٍ) لَوْ حُفِرَتْ بِئْرٌ أُخْرَى (لِبِئْرٍ) قَالَ عِيَاضٌ: حَرِيمُ الْبِئْرِ مَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي مِنْ حَقِّهَا أَنْ لَا يُحْدِثَ فِيهَا مَا يَضُرُّ بِهَا، لَا بَاطِنًا مِنْ حَفْرِ بِئْرٍ يُنَشِّفُ مَاءَهَا أَوْ يُذْهِبُهُ أَوْ يُغَيِّرُهُ بِطَرْحِ نَجَاسَةٍ يَصِلُ إلَيْهَا وَسَخُهَا. وَلَا ظَاهِرًا كَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ. وَبَيَّنَ حَرِيمَ الشَّجَرِ بِقَوْلِهِ: (وَمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ) عُرْفًا (لِشَجَرَةٍ) مِنْ نَخْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلِرَبِّهَا مَنْعُ مَنْ أَرَادَ إحْدَاثَ شَيْءٍ بِقُرْبِهَا يَضُرُّ بِهَا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [غُدُوًّا وَرَوَاحًا] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ مِنْ الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ.
وَقَوْلُهُ: [فِي الْيَوْمِ] : ظَرْفٌ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاحْتِطَابِ وَالْمَرْعَى وَمَا بَعْدَهُمَا وَيُقَدَّرُ بِأَقْصَرِ الْأَيَّامِ عَلَى الظَّاهِرِ.
قَوْلُهُ: [وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ] : أَيْ فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يُحْيِيَهُ بِعِمَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَهُمْ مَنْعُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ كَمَا سَيَقُولُ.
قَوْلُهُ: [مَلَكَهُ وَحْدَهُ] : لِأَنَّ مَنْ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ يَكُونُ لَهُ.
قَوْلُهُ: [لِبِئْرٍ] : مُتَعَلِّقٌ بِ يَضِيقُ وَيَضُرُّ وَمِثْلُ الْبِئْرِ فِي الْحَرِيمِ النَّهْرُ فَحَرِيمُهُ مَا يَضِيقُ عَلَى وَارِدٍ أَوْ يَضُرُّ بِمَائِهِ وَقِيلَ حَرِيمُ النَّهْرِ أَلْفَا ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَقَدْ وَقَعَتْ الْفَتْوَى قَدِيمًا بِهَدْمِ مَا بُنِيَ بِشَاطِئِ النَّهْرِ وَحُرْمَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ إنْ كَانَ مَسْجِدًا كَمَا فِي الْمَدْخَلِ وَغَيْرِهِ، وَنَقَلَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ عَنْ سَحْنُونَ وَأَصْبَغَ وَمُطَرِّفٍ أَنَّ الْبَحْرَ إذَا انْكَشَفَ عَنْ أَرْضٍ وَانْتَقَلَ عَنْهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانَ الْبَحْرُ لَا لِمَنْ يَلِيهِ وَلَا لِمَنْ دَخَلَ الْبَحْرُ أَرْضَهُ، وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ إنَّهَا تَكُونُ لِمَنْ يَلِيهِ وَعَلَيْهِ حَمْدِيسٌ وَالْفُتْيَا وَالْقَضَاءُ عَلَى هَذَا. خِلَافًا لِقَوْلِ سَحْنُونَ وَمَنْ مَعَهُ كَمَا يُفِيدُهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْعَدَوِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute