الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضِ عَنْ حُبِّ الْآخِرَةِ. ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ يَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهِ حَكْرًا كُلَّ شَهْرٍ نِصْفَيْنِ فِضَّةً مِنْ الدَّرَاهِمِ الْعَدَدِيَّةِ وَيُسَكِّنُهُ أَوْ يُكْرِيهِ كُلَّ يَوْمٍ بِعَشَرَةِ أَنْصَافٍ. وَقَدْ يُوقِفُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَقَدْ يَبِيعُهُ وَقَدْ يُوفِي بِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ، فَانْظُرْ إلَى هَذَا الْخَيْطِ الْخَارِجِ عَنْ قَوَانِينِ الشَّرِيعَةِ. وَمِنْ الْعَجِيبِ أَنَّ الشَّيْخَ أَحْمَدَ الْغَرْقَاوِيَّ جَعَلَ لِبَعْضِ الْقُضَاةِ رِسَالَةً فِي ذَلِكَ وَجَوَّزَ فِيهَا مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ وَصَارَ النَّاسُ يُفْتُونَ بِجَوَازِ مَا ذُكِرَ مُعْتَمِدِينَ عَلَى مَا فِي الرِّسَالَةِ مِنْ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَصَدَ الْخَرَشِيُّ رَدَّهُ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَفْهَمْ مُرَادَهُ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ شَاعَ عِنْدَنَا بِمِصْرَ أَنَّ الْخُلُوَّ يَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَيَجْعَلُونَ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، حَتَّى لَزِمَ عَلَى ذَلِكَ إبْطَالُ الْأَوْقَافِ وَتَخْرِيبُ الْمَسَاجِدِ وَتَعْطِيلُ الشَّعَائِرِ الْإِسْلَامِيَّةِ. وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي الرِّزْقِ الْكَائِنَةِ بَيْنَ الْجِيزَةِ؛ تَكُونُ مُرْصَدَةً عَلَى مَنَافِعِ زَاوِيَةِ الْإِمَامِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَوْ عَلَى مَنَافِعِ زَاوِيَةِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، فَيَبِيعُهَا النَّاظِرُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ. ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ يُوقِفُهَا عَلَى نَحْوِ زَاوِيَةِ الْإِمَامِ الشَّعْرَانِيِّ وَقَدْ يُوقِفُهَا عَلَى نَفْسِهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَهُ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ، وَرُبَّمَا بَاعَهَا النَّاظِرُ لِذِمِّيٍّ فَأَوْقَفَهَا الذِّمِّيُّ عَلَى كَنِيسَةٍ. وَقَدْ وَقَعَ هَذَا فَإِنَّ رِزْقَةً كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى مَدْرَسَةِ السُّلْطَانِ حَسَنٍ بَاعَهَا نَاظِرُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ لِذِمِّيٍّ ثُمَّ إنَّ الذِّمِّيَّ أَوْقَفَهَا عَلَى كَنِيسَةٍ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَزْرَعُونَهَا وَيَدْفَعُونَ خَرَاجَهَا لِأَهْلِ الْكَنِيسَةِ، ثُمَّ تَغَلَّبَ النَّصَارَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِوَاسِطَةِ أُمَرَاءِ مِصْرَ الضَّالِّينَ فَنَزَعُوهَا مِنْ أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ وَصَارُوا يَزْرَعُونَهَا. هَذَا فِي
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [نِصْفَيْنِ فِضَّةً] : كِنَايَةٌ عَنْ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ.
قَوْلُهُ: [وَيَسْكُنُهُ] : أَيْ بِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ بِعَشَرَةِ أَنْصَافٍ رَاجِعٌ لَيَكْرِيهِ.
قَوْلُهُ: [وَقَدْ يُوقِفُهُ عَلَى نَفْسِهِ] : أَيْ مَثَلًا.
قَوْلُهُ: [الْخَارِجُ عَنْ قَوَانِينِ الشَّرِيعَةِ] : أَيْ فَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ.
قَوْلُهُ: [فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ] : أَيْ حَيْثُ مَثَّلَ لِلْوَقْفِ الْفَاسِدِ بِالْخَلَوَاتِ قَائِلًا إنَّ هَذَا التَّمْثِيلَ لَا يَصِحُّ إذْ الْمُرَادُ بِالْخَلَوَاتِ الَّتِي لَا يَصِحُّ وَقْفُهَا هِيَ الَّتِي اسْتَوْفَتْ الشُّرُوطَ مَعَ أَنَّ الَّتِي اسْتَوْفَتْ الشُّرُوطَ يَجُوزُ فِيهَا الْبَيْعُ وَالْوَقْفُ وَالْإِرْثُ وَالْهِبَةُ وَيُقْضَى مِنْهَا الدَّيْنُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَ الْخَرَشِيِّ، بَلْ مُرَادُهُ الْخَلَوَاتُ الْفَاسِدَةُ الَّتِي بِيعَتْ لَا لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ.
قَوْلُهُ: [عَلَى مَنَافِعِ زَاوِيَةِ الْإِمَامِ] إلَخْ: أَيْ مَثَلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute