عُنْوَانُ الظَّفَرِ، وَعَلَى الْمِحَنِ عُنْوَانُ الْفَرَجِ. وَمِنْ أَعْظَمِ الصَّبْرِ الصَّبْرُ عَلَى مُخَالَفَةِ شَهَوَاتِ النَّفْسِ مِنْ حُبِّ الرِّيَاسَةِ وَالْمَحْمَدَةِ وَالرِّيَاءِ.
(مُسَلِّمًا لِلَّهِ أَمْرَهُ) فَإِنَّ مَنْ سَلَّمَ لِلَّهِ أَمْرَهُ أَرَاحَ قَلْبَهُ وَنَالَ مُرَادَهُ، وَمَنْ لَمْ يُسَلِّمْ لَا يُفِيدُهُ إلَّا الْوَبَالُ وَلَا بُدَّ مِنْ نُفُوذِ مُرَادِهِ تَعَالَى، وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: «يَا عَبْدِي إنْ رَضِيت بِمَا قَسَمْت لَك أَرَحْت بَدَنَك وَقَلْبَك وَكُنْت عِنْدِي مَرْضِيًّا، وَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِمَا قَسَمْت لَك سَلَّطْت عَلَيْهِ الدُّنْيَا تَرْكُضُ فِيهَا كَرَكْضِ الْوَحْشِ فِي الْبَرِّيَّةِ وَأَتْعَبْت بَدَنَك وَقَلْبَك، وَكُنْت عِنْدِي مَذْمُومًا وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا قَسَمْت لَك» أَوْ كَمَا قَالَ فَمَنْ سَلَّمَ لِلَّهِ أَمْرَهُ كَانَ مِنْ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَرْزُقُهُمْ اللَّهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ} [الطلاق: ٢] بِامْتِثَالِ مَأْمُورَاتِهِ وَاجْتِنَابِ مَنْهِيَّاتِهِ، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لِذَلِكَ. {يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٢ - ٣] : فَرَجًا وَخَلَاصًا مِنْ مَضَارِّ الدَّارَيْنِ وَفَوْزًا بِخَيْرِهِمَا. رُوِيَ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَوْفٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَشَكَا أَبُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ــ
[حاشية الصاوي]
وَقَوْلُهُ: [عُنْوَانُ الظَّفَرِ] : أَيْ عَلَامَةٌ عَلَى حُصُولِهِ وَهُوَ بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ مُحَرَّكًا الْفَوْزُ.
قَوْلُهُ: [وَعَلَى الْمِحَنِ] : أَيْ الْمَكَارِهُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ.
قَوْلُهُ: [أَرَاحَ قَلْبَهُ] : أَيْ مِنْ الْعَنَاءِ وَقَدْ قُلْت فِي هَذَا الْمَعْنَى:
أَرِحْ قَلْبَك الْعَانِيَ وَسَلِّمْ لَهُ الْقَضَا ... تَفُزْ بِالرِّضَا فَالْأَصْلُ لَا يَتَحَوَّلُ
عَلَامَةُ أَهْلِ اللَّهِ فِينَا ثَلَاثَةٌ ... إيمَانٌ وَتَسْلِيمٌ وَصَبْرٌ مُجَمِّلُ
قَوْلُهُ: [مِنْهَا يَا عَبْدِي] إلَخْ: هَذَا حَدِيثٌ قُدْسِيٌّ مَحْكِيٌّ عَنْ اللَّهِ وَمِنْهَا أَيْضًا: «يَا عَبْدِي أَنْتَ تُرِيدُ وَأَنَا أُرِيدُ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا أُرِيدُ، فَإِنْ سَلَّمْت لِي مَا أُرِيدُ أَعْطَيْتُك مَا تُرِيدُ، وَإِنْ لَمْ تُسَلِّمْ لِي مَا أُرِيدُ أَتْعَبْتُك فِيمَا تُرِيدُ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا أُرِيدُ» .
قَوْلُهُ: [أَرَحْت بَدَنَك] : يَصِحُّ بِحَسْبِ الْمَعْنَى فِيهِ وَفِي قَوْلِهِ وَأَتْعَبْت فَتْحُ التَّاءِ وَضَمُّهَا وَانْظُرْ الرِّوَايَةَ.
قَوْلُهُ: [كَرَكْضِ الْوَحْشِ فِي الْبَرِّيَّةِ] : كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ مُهْمَلًا مَعْدُودًا مِنْ الْأَخْيَارِ.
قَوْلُهُ: [رُوِيَ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَوْفٍ] : أَيْ وَهُوَ أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشِّرِينَ بِالْجَنَّةِ، وَهَذَا شَاهِدٌ عَلَى أَنَّ مَنْ يَتَّقِي اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute