للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَرْضِ، وَمَنْ صَبَرَ عَلَى الطَّاعَةِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ سِتَّمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إلَى الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إلَى مُنْتَهَى الْعَرْشِ، وَمَنْ صَبَرَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ تِسْعَمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إلَى الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إلَى مُنْتَهَى الْعَرْشِ مَرَّتَيْنِ» وَيُعِينُ عَلَى الصَّبْرِ خُصُوصًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّاسِ كَثْرَةُ الْحِلْمِ كَشَيْخِنَا الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ سَحَائِبُ رَحْمَةِ اللَّهِ؛ وَانْظُرْ مَا وَقَعَ مِنْ الْجَارِيَةِ الَّتِي صَبَّتْ الْمَاءَ لِسَيِّدِنَا عَلِيٍّ ابْنِ سَيِّدِنَا الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْوُضُوءِ لِيَتَهَيَّأَ لِلصَّلَاةِ فَوَقَعَ الْإِبْرِيقُ مِنْ يَدِهَا عَلَى وَجْهِهِ فَشَجَّهُ فَرَفَعَ بَصَرَهُ لَهَا فَقَالَتْ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: ١٣٤] قَالَ: كَظَمْت غَيْظِي فَقَالَتْ: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: ١٣٤] فَقَالَ: عَفَا اللَّهُ عَنْك فَقَالَتْ: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٤] فَقَالَ: اذْهَبِي أَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ،

وَالصَّبْرُ: الِاسْتِعَانَةُ بِاَللَّهِ وَالْوُقُوفُ مَعَهُ تَعَالَى بِحَسْبِ الْأَدَبِ وَالصَّبْرُ عَلَى الطَّلَبِ

ــ

[حاشية الصاوي]

الطَّاعَةِ أَشَقُّ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى الْمُصِيبَةِ، وَهَجْرُ الْمَعَاصِي دَوَامًا أَشَقُّ مِنْ الدَّوَامِ عَلَى الطَّاعَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ كَثِيرًا مَنْ يُدِيمُ الذِّكْرَ مَعَ كَوْنِهِ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فِي هَجْرِ الْمَعَاصِي وَفِي الْحَدِيثِ: «أَفْضَلُ الْهِجْرَةِ أَنْ تَهْجُرَ الْحَرَامَ» ، وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ صَاحِبَ هَذَا الْمَقَامِ بِقَوْلِهِ: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: ٤٠] {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: ٤١] .

قَوْلُهُ: [وَيُعِينُ] : فِعْلٌ مُضَارِعٌ وَكَثْرَةُ الْحِلْمِ فَاعِلُهُ.

قَوْلُهُ: [لِسَيِّدِنَا عَلِيٍّ ابْنِ سَيِّدِنَا الْحُسَيْنِ] : أَيْ وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِزَيْنِ الْعَابِدِينَ الَّذِي قَالَ فِيهِ الشَّاعِرُ:

يُغْضِي حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ ... فَلَا يُكَلَّمُ إلَّا حِينَ يَبْتَسِمُ

وَهَذِهِ الْوَاقِعَةُ كَمَا تَدُلُّ عَلَى حِلْمِ سَيِّدِ الْجَارِيَةِ وَكَرَمِهِ تَدُلُّ عَلَى حُسْنِ ذَكَائِهَا كَمَا قَالَ فِي الْهَمْزِيَّةِ:

وَمَا أَحْسَنَ مَا يَبْلُغُ الْمُنَى الْأَذْكِيَاءُ

قَوْلُهُ: [وَالصَّبْرُ] : أَيْ الْكَامِلُ الشَّامِلُ لِلْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ

قَوْلُهُ: [وَالْوُقُوفُ مَعَهُ] : أَيْ مَعَ أَحْكَامِهِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا حُلْوِهَا وَمُرِّهَا.

قَوْلُهُ: [عَلَى الطَّلَبِ] : أَيْ عَلَى مَا يُطْلَبُ وَيُقْصَدُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>