وَوَفَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَّمَهُ لِلرَّجُلِ أَتْعَبَهُ الدَّيْنُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَقْتَصِرُ عَلَى ضَرُورَاتٍ) مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ الضَّرُورِيَّةُ إلَيْهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَبِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ تَارِكًا الْفُضُولَ الْمُبَاحَاتِ خُصُوصًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ وَالْبَطْنِ، أَوْحَى اللَّهُ إلَى سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ إذَا كُنْت وَحْدَك فَاحْفَظْ قَلْبَك وَإِذَا كُنْت بَيْنَ النَّاسِ فَاحْفَظْ لِسَانَك وَإِذَا كُنْت عَلَى الْمَائِدَةِ فَاحْفَظْ بَطْنَك وَإِذَا كُنْت عَلَى الطَّرِيقِ فَاحْفَظْ عَيْنَك فَهَذِهِ تُورِثُ السَّلَامَةَ وَالصِّحَّةَ.
(شَاكِرًا) لَهُ تَعَالَى بِصَرْفِ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ لِمَا خَلَقَ لَهُ (ذَاكِرًا) لَهُ تَعَالَى بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ (صَابِرًا) عَلَى الْمَكَارِهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّبْرُ ثَلَاثَةٌ صَبْرٌ عَلَى الْمُصِيبَةِ، وَصَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ، وَصَبْرٌ عَنْ الْمَعْصِيَةِ؛ فَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْمُصِيبَةِ حَتَّى يَرُدَّهَا بِحُسْنِ عَزَائِهَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثَلَثَمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ وَالدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [تُورِثُ السَّلَامَةَ] : أَيْ مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ.
وَقَوْلُهُ: [وَالصِّحَّةَ] : أَيْ فِي الْبَدَنِ وَهِيَ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى حِفْظِ الْبَطْنِ.
قَوْلُهُ: [صَابِرًا عَلَى الْمَكَارِهِ] : أَيْ مُتَحَمِّلًا لِلْمَكَارِهِ وَهِيَ كُلُّ مَا لَا يُوَافِقُ الطَّبْعَ.
قَوْلُهُ: [عَلَى الْمُصِيبَةِ] : أَيْ الْمَكَارِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَإِلَّا فَالْمَعْصِيَةُ مِنْ أَكْبَرِ الْمَصَائِبِ وَمَعْنَى الصَّبْرِ عَلَى الْمُصِيبَةِ تَجَرُّعُ مَرَارَتِهَا مَعَ الِاسْتِرْجَاعِ قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: ١٥٦] الْآيَةَ.
قَوْلُهُ: [وَصَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ] : أَيْ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا مَعَ عَدَمِ السَّآمَةِ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: [وَصَبْرٌ عَنْ الْمَعْصِيَةِ] : أَيْ وَهُوَ عَدَمُ الْإِلْمَامِ مَعَ الْخُرُوجِ عَنْ شَهْوَتِهَا قَالَ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِيُّ: وَصَبْرُنَا عَلَى طَاعَتِك وَعَنْ مَعْصِيَتِك وَعَنْ الشَّهَوَاتِ الْمُوجِبَاتِ لِلنَّقْصِ أَوْ الْبُعْدِ عَنْك.
قَوْلُهُ: [بِحُسْنِ عَزَائِهَا] : أَيْ وَهُوَ اسْتِرْجَاعُهُ إلَى اللَّهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ.
قَوْلُهُ: [كَتَبَ اللَّهُ لَهُ] إلَخْ: هَذَا كِنَايَةٌ عَنْ سَعَةِ الْمُجَازَاةِ وَالدَّلِيلُ الْقَاطِعُ فِي ذَلِكَ: قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠] وَإِنَّمَا تَفَاوَتَتْ تِلْكَ الْمَرَاتِبُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ تَابِعٌ لِعَظَمِ الْمَشَقَّةِ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ الدَّوَامَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute