لَا تُصْرَفُ عَنْ ظَاهِرِهَا وَلِأَحَادِيثِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(فَإِذَا تَمَّ أَجَلُهَا) الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ فِي الْأَزَلِ (جَازَاهَا رَبُّهَا بِالْقَبُولِ) وَالرِّضَا وَعَدَمِ الطَّرْدِ وَأَفَاضَ عَلَيْهَا إنْعَامَهُ، فَكَانَ لَهَا الْخِتَامُ الْحَسَنُ لِلْأَجَلِ، كَمَا قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَحُسْنُ الْخِتَامِ) . وَفِي هَذَا بَرَاعَةُ التَّمَامِ؛ وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُتَكَلِّمُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ بِمَا يُؤْذِنُ بِانْتِهَائِهِ. وَحُسْنُ الِانْتِهَاءِ مِمَّا يَنْبَغِي التَّأَنُّقُ فِيهِ عِنْدَ الْبُلَغَاءِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ مَا يَعِيهِ السَّمْعُ وَيُرْسَمُ فِي النَّفْسِ، فَإِذَا كَانَ مُسْتَلَذًّا جَبَرَ مَا قَبْلَهُ مِنْ التَّقْصِيرِ، كَالطَّعَامِ اللَّذِيذِ بَعْدَ غَيْرِهِ، كَمَا يَنْبَغِي فِي الِابْتِدَاءِ لِيَكُونَ أَوَّلُ مَا يَقْرَعُ السَّمْعَ لَذِيذًا فَيُقْبِلُ السَّامِعُ
ــ
[حاشية الصاوي]
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: ٢٢] {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٣] وَمِنْهَا: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [المطففين: ٢٢] {عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين: ٢٣] .
قَوْلُهُ: [وَلِأَحَادِيثِهِ] : مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ»
قَوْلُهُ: [فَإِذَا تَمَّ أَجَلُهَا] : أَيْ انْقَضَى عُمُرُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ نَفْسٌ مِنْ الدُّنْيَا حَتَّى تَسْتَوْفِيَ أَجَلَهَا وَرِزْقَهَا وَجَمِيعَ مَا قُدِّرَ لَهَا فِيهَا.
قَوْلُهُ: [جَازَاهَا رَبُّهَا بِالْقَبُولِ] : أَيْ أَظْهَرَ لَهَا الْمُجَازَاةَ بِذَلِكَ لِمَا وَرَدَ: «إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الدُّنْيَا حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ فِي الْجَنَّةِ وَمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُ فِيهَا» فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ تَظْهَرُ الْبُشْرَى فِي وَجْهِهِ.
قَوْلُهُ: [وَحُسْنُ الْخِتَامِ] : أَيْ الْمَوْتُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْقَبُولِ الَّتِي ظَهَرَتْ أَمَارَاتُهُ وَإِنَّمَا خَصَّهُ؛ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْعَلَامَاتِ.
قَوْلُهُ: [بِمَا يُؤْذِنُ بِانْتِهَائِهِ] : أَيْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: ٨٨] ؛ {أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} [الشورى: ٥٣] وَكَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَإِنِّي جَدِيرٌ إذْ بَلَغْتُك بِالْمُنَى ... وَأَنْتَ بِمَا أَمَلْت مِنْك جَدِيرُ
فَإِنْ تُولِنِي مِنْك الْجَمِيلَ فَأَهْلُهُ ... وَإِلَّا فَإِنِّي عَاذِرٌ وَشَكُورُ
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَأَحْسَنُهُ مَا آذَنَ بِانْتِهَاءِ الْكَلَامِ حَتَّى لَا يَبْقَى لِلنَّفْسِ تَشَوُّقٌ إلَى مَا وَرَاءَهُ كَقَوْلِهِ: