الْمُوَصِّلَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى (حَتَّى) صَارَتْ نَفْسُهُ مُطْمَئِنَّةً رُوحَانِيَّةً فَيُثْمِرُ لَهَا أَنْ (تَمِيلَ إلَى عَالَمِ) بِفَتْحِ اللَّامِ (الْغَيْبِ وَالْقُدْسِ) عَالَمُ الْغَيْبِ: مَا غَابَ عَنْ الْمُشَاهَدَةِ بِالنَّظَرِ لِلْخَلْقِ؛ فَمِثْلُ الْجَنَّةِ الْمُقَدَّسَةِ عَنْ شَوَائِبِ الْكَدَرِ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ (أَكْثَرَ مِنْ مَيْلِهَا إلَى عَالَمِ الشَّهَادَةِ وَالْحِسِّ) عَطْفُ مُرَادِفٍ. (فَ) بِسَبَبِ وُفُورِ الْمَحَبَّةِ إلَخْ (تَشْتَاقُ) الِاشْتِيَاقَ مَحَبَّةً خَاصَّةً وُجْدَانِيَّةً (إلَى لِقَائِهَا بَارِيَهَا) وَمُرَبِّيَهَا وَالْمُحْسِنَ إلَيْهَا (أَكْثَرَ مِنْ اشْتِيَاقِهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا) لِمَا عَرَفَتْهُ مِنْ الصَّوَابِ وَحَقِيقَةِ الْحَالِ، وَأَنَّهُ النَّافِعُ الْبَاقِي الَّذِي لَا يُعَادِلُ إحْسَانَهُ وَمُشَاهَدَتَهُ شَيْءٌ وَهَذَا فِيهِ عَقِيدَةُ الرُّؤْيَةِ الْمُثْبَتَةِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُصَدِّقِينَ بِهَا لِأَدِلَّةٍ قُرْآنِيَّةٍ
ــ
[حاشية الصاوي]
فَالْكُلُّ دُونَ اللَّهِ إنْ حَقَّقْته ... عَدَمٌ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْإِجْمَالِ
مَنْ لَا وُجُودَ لِذَاتِهِ مِنْ ذَاتِهِ ... فَوُجُودُهُ لَوْلَاهُ عَيْنُ مُحَالِ
قَوْلُهُ: [مُطْمَئِنَّةً رُوحَانِيَّةً] : الْمُطْمَئِنَّةُ هِيَ الَّتِي سَكَنَتْ لِلْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَالرُّوحَانِيَّةُ هِيَ الَّتِي تَجَرَّدَتْ عَنْ الطِّبَاعِ الشَّهْوَانِيَّةِ وَصَارَ الْحُكْمُ لِمُجَرَّدِ الرُّوحِ.
قَوْلُهُ: [عَطْفُ مُرَادِفٍ] : أَيْ فَالشَّهَادَةُ هِيَ الْحِسُّ؛ لِأَنَّهُ يُشَاهَدُ بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ.
قَوْلُهُ: [الِاشْتِيَاقُ مَحَبَّةٌ خَاصَّةٌ وُجْدَانِيَّةٌ] : الْمُنَاسِبُ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِتَوَلُّعِ قَلْبِ الْمُحِبِّ بِلِقَاءِ الْمَحْبُوبِ.
قَوْلُهُ: [الَّذِي لَا يُعَادِلُ إحْسَانَهُ] : أَيْ الَّذِي لَا يُمَاثِلُ وَشَيْءٌ فَاعِلُ يُعَادِلُ وَإِحْسَانَهُ وَمُشَاهَدَتَهُ مَفْعُولٌ.
قَوْلُهُ: [وَهَذَا فِيهِ عَقِيدَةُ الرُّؤْيَةِ] : أَيْ لِأَنَّهُ مَا عَظُمَ اشْتِيَاقُهُمْ إلَّا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بِعَيْنِ الْبَصَرِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْلَا اعْتِقَادِي أَنِّي أَرَاهُ فِي الْآخِرَةِ مَا عَبَّدْته وَفِي الْحَقِيقَةِ اشْتِيَاقُ أَهْلِ اللَّهِ لِلرُّؤْيَةِ الْمُعَجَّلَةِ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ رُؤْيَةُ الْقَلْبِ بِمَعْنَى شُهُودِهِ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ، وَرُؤْيَةِ الْبَصَرِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْفَارِضِ:
فَيَا رَبّ بِالْخِلِّ الْحَبِيبِ مُحَمَّدٍ ... نَبِيِّك وَهُوَ السَّيِّدُ الْمُتَوَاضِعُ
أَنِلْنَا مَعَ الْأَحْبَابِ رُؤْيَتَك الَّتِي ... إلَيْهَا قُلُوبُ الْأَوْلِيَاءِ تُسَارِعُ
قَوْلُهُ: [لِأَدِلَّةٍ قُرْآنِيَّةٍ] مِنْهَا قَوْله تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute