للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يَفْعَلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ) حَيَاءً مِنْ اللَّهِ. (وَمِنْهَا طُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ بِكُلِّ مَا وَقَعَ فِي الْعَالَمِ) لِعِلْمِهِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِمُرَادِ مَالِكِهِ، وَهَلْ إرَادَةُ الْعَبْدِ وُقُوعَ شَيْءٍ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ وُقُوعَهُ تُفِيدُ؟ أَوْ إرَادَتُهُ عَدَمَ وُقُوعِ شَيْءٍ أَرَادَ الْمَالِكُ وُقُوعَهُ تُفِيدُ؟ كَلَا وَاَللَّهِ؟ لَا يَكُونُ إلَّا مَا يُرِيدُ جَلَّ وَعَلَا فَحِينَئِذٍ يَرْضَى الْعَبْدُ بِمُرَادِ سَيِّدِهِ فِي مِلْكِهِ (مِنْ غَيْرِ انْزِعَاجٍ وَلَا اعْتِرَاضٍ فَيَتِمُّ لَهُ التَّسْلِيمُ لِلْعَلِيمِ الْحَكِيمِ) : فَيَفُوزُ بِكَوْنِهِ مَحْبُوبًا غَيْرَ مَذْمُومٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّسْلِيمَ وَالِاسْتِسْلَامَ وَالِانْقِيَادَ وَالتَّفْوِيضَ مُتَرَادِفَةٌ، وَهُوَ أَنْ يُفَوِّضَ الْعَبْدُ اخْتِيَارَهُ إلَى اخْتِيَارِ مَوْلَاهُ وَيَرْضَى بِمَا يَخْتَارُهُ مَوْلَاهُ، وَقِيلَ: التَّفْوِيضُ قَبْلَ نُزُولِ الْقَضَاءِ، وَالتَّسْلِيمُ بَعْدَ نُزُولِهِ. (وَمِنْهَا: وُفُورُ مَحَبَّةِ اللَّهِ) فَيَصِيرُ مِنْ أَهْلِ الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ؛ فَيَمْحُو أَوْصَافَ الْعَادَةِ وَيَنْسَلِخُ عَنْ كُلِّ وُجُودٍ غَيْرِ وُجُودِ الْحَقِّ وَتَثْبُتُ لَهُ صِفَاتُ التَّيَقُّظِ

ــ

[حاشية الصاوي]

قَوْلُهُ: [حَيَاءً مِنْ اللَّهِ] : أَيْ فَيَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ مِنْ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ خَوْفُ الْعِقَابِ.

قَوْلُهُ: [وَمِنْهَا طُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ] : أَيْ مِنْ الْبَاطِنِيَّةِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: [وَهَلْ إرَادَةُ الْعَبْدِ وُقُوعَ شَيْءٍ] إلَخْ: كَلَامٌ رَكِيكٌ فَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ وَإِنَّ إرَادَةَ الْعَبْدِ لَا تُفِيدُ شَيْئًا.

قَوْلُهُ: [فَيَفُوزُ بِكَوْنِهِ مَحْبُوبًا غَيْرَ مَذْمُومٍ] : أَيْ لِأَنَّهُ وَرَدَ: " مَنْ رَضِيَ لَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ لَهُ السَّخَطُ " قَالَ الْعَارِفُ:

فَازَ مَنْ سَلَّمَ الْأُمُورَ إلَيْهِ ... وَشَقِيَ مَنْ غَرَّهُ الْإِنْكَارُ

قَوْلُهُ: [وَمِنْهَا وُفُورُ مَحَبَّةِ اللَّهِ] : أَيْ مِنْ الْبَاطِنِيَّةِ أَيْضًا وَإِضَافَةُ وُفُورٍ لِمَا بَعْدَهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ مَحَبَّةُ اللَّهِ الْوَافِرَةُ الزَّائِدَةُ عَنْ مَحَبَّةِ الْعَوَامّ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ يُحِبُّونَ اللَّهَ، وَإِنَّمَا تَتَمَيَّزُ الْخَوَاصُّ بِالزِّيَادَةِ.

قَوْلُهُ: [فَيَمْحُو أَوْصَافَ الْعَادَةِ] إلَخْ: تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ.

قَوْلُهُ: [يَنْسَلِخُ عَنْ كُلِّ وُجُودٍ] : أَيْ عَنْ الشُّغْلِ بِوُجُودِ شَيْءٍ سِوَى اللَّهِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ:

اللَّهَ قُلْ وَذَرْ الْوُجُودَ وَمَا حَوَى ... إنْ كُنْت مُرْتَادًا بُلُوغَ كَمَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>