«فَيُوَسَّعُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ سَبْعُونَ ذِرَاعًا عَرْضًا وَسَبْعُونَ ذِرَاعًا طُولًا وَيُمْلَأُ رَوْحًا وَرَيْحَانًا فَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَفَاهُ نُورُهُ وَإِلَّا جُعِلَ لَهُ نُورٌ كَالشَّمْسِ» {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر: ٢٧] : الثَّابِتَةُ عَلَى الْإِيمَانِ الَّتِي أَيْقَنَتْ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّهَا وَخَضَعَتْ لِأَمْرِهِ، الرَّاضِيَةُ بِقَضَاءِ اللَّهِ الْآمِنَةُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ الْمُطْمَئِنَّةُ بِذِكْرِ اللَّهِ، إذْ الْأَقْوَالُ فِيهَا غَيْرُ مُتَبَايِنَةٍ. وَجَعَلَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فَيُوَسَّعُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ سَبْعُونَ ذِرَاعًا] : الْعَدَدُ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَظِيمِ السَّعَةِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَدَّ بَصَرِهِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَيِّتِ غَرِيبًا وَإِلَّا فَيُوَسَّعُ عَلَيْهِ قَدْرُ بُعْدِهِ عَنْ مَنْزِلِهِ.
قَوْلُهُ: [وَإِلَّا جُعِلَ لَهُ نُورٌ كَالشَّمْسِ] : يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الَّذِي مَعَهُ الْقُرْآنُ نُورُهُ أَعْلَى مِنْ الشَّمْسِ وَهَذَا النُّورُ حِسِّيٌّ قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد: ١٢] الْآيَةُ.
قَوْلُهُ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ} [الفجر: ٢٧] إلَخْ: هَذِهِ الْجُمَلُ لِصِيغَةِ النِّدَاءِ.
قَوْلُهُ: [إذْ الْأَقْوَالُ فِيهَا غَيْرُ مُتَبَايِنَةٍ] : أَيْ التَّفَاسِيرُ فِيهَا تَرْجِعُ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ لِتَلَازُمِهَا. وَحَاصِلُ التَّفَاسِيرِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ سِتَّةٌ وَمَسَاقُهَا هَكَذَا الثَّابِتَةُ عَلَى الْإِيمَانِ، أَوْ الَّتِي أَيْقَنَتْ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّهَا، أَوْ الَّتِي خَضَعَتْ لِأَمْرِهِ، أَوْ الَّتِي رَضِيَتْ بِقَضَائِهِ، أَوْ الْآمِنَةُ مِنْ عَذَابِهِ، أَوْ الْمُطْمَئِنَّةُ بِذِكْرِهِ، فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا. وَسَبَبُ نُزُولِهَا قِيلَ فِي حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ اُسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ وَقِيلَ فِي حَبِيبِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ، وَقِيلَ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ حِينَ اشْتَرَى بِئْرَ رُومَةَ وَسَبَّلَهَا، وَقِيلَ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ نَفْسٍ مُؤْمِنَةٍ مُطْمَئِنَّةٍ.
قَوْلُهُ: [وَجَعَلَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ] : كَانَ الْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ لَا يَنْقُلَ هَذَا الْمَبْحَثَ فَإِنَّ هَذَا لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ يَطْلُبُونَهُ بِالْخُصُوصِ لَا لِكُلِّ مَنْ يُحْضِرُ الْأَحْكَامَ الْفِقْهِيَّةَ فَلَا يُؤْخَذُ بِالْقَالِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْحَالِ فَهُوَ مِنْ السِّرِّ الْمَكْتُومِ الَّذِي لَا يَجُوزُ التَّكَلُّمُ فِيهِ إلَّا مِنْ أَهْلِهِ لِأَهْلِهِ وَالْكَلَامُ فِيهِ مَعَ مَنْ يَطْلُبُهُ وَمَنْ لَا يَطْلُبُهُ عَبَثٌ. قَالَ مُحْيِي الدِّينِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: إنَّ كَلَامَ الْقَوْمِ عَلَيْهِ أَقْفَالٌ لَا تُفْتَحُ إلَّا لِأَهْلِهِ، فَسَوْقُ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute