كَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ، وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، ثُمَّ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ مِنْ نَجَاسَةِ الْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الْمَائِعَاتِ كَالْحُبُوبِ وَالدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ الْغَيْرِ الْمَبْلُولِ فِي الْمَاءِ الْمُطْلَقِ بِأَنْ يُوضَعَ الْمَاءُ فِيهِ سَفَرًا وَحَضَرًا، لِأَنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يَضُرُّهُ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ. وَأَمَّا الْمَائِعَاتُ كَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَالزَّيْتِ وَسَائِرِ الْأَدْهَانِ، وَالْمَاءُ الْغَيْرُ الْمُطْلَقِ - كَمَاءِ الْوَرْدِ - وَمِنْ ذَلِكَ الْخُبْزُ الْمَبْلُولُ قَبْلَ جَفَافِهِ، وَالْجُبْنُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَضْعُهُ فِيهِ، وَيَتَنَجَّسُ بِوَضْعِهِ فِيهِ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَجَازَ اسْتِعْمَالُهُ بَعْدَ الدَّبْغِ فِي يَابِسٍ وَمَائِعٍ) : أَيْ وَأَمَّا قَبْلَ الدَّبْغِ فَلَا يَجُوزُ وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقًا دُبِغَ أَوْ لَا فِي مَائِعٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَكَذَا جِلْدُ الْآدَمِيِّ لِشَرَفِهِ وَكَرَامَتِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ وُجُوبِ دَفْنِهِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَجْهُ التَّوَقُّفِ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي نَجَاسَتَهُ لَا سِيَّمَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ، وَعَمَلُ السَّلَفِ فِي صَلَاتِهِمْ بِسُيُوفِهِمْ وَجَفِيرِهَا مِنْهُ يَقْتَضِي طَهَارَتَهُ. وَالْمُعْتَمَدُ - كَمَا قَالُوا - إنَّهُ طَاهِرٌ لِلْعَمَلِ لَا نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ: جِلْدُ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ وَلَوْ دُبِغَ. وَانْظُرْ مَا عِلَّةُ طَهَارَتِهِ، فَإِنْ قَالُوا: الدَّبْغُ، قُلْنَا: يَلْزَمُ طَهَارَةُ كُلِّ مَدْبُوغٍ، وَإِنْ قَالُوا: الضَّرُورَةُ، قُلْنَا: إنْ سَلِمَ فَهِيَ لَا تَقْتَضِي الطَّهَارَةَ بَلْ الْعَفْوَ. وَحَمْلُ الطَّهَارَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ فِي غَيْرِ الْكِيمَخْتِ وَعَلَى الْحَقِيقَةِ فِي الْكِيمَخْتِ تَحَكُّمٌ، وَعَمَلُ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِمْ الرِّضَا فِي جُزْئِيٍّ يُحَقِّقُ الْعَمَلَ فِي الْبَاقِي (اهـ) .
قَوْلُهُ: [وَهُوَ مُشْكِلٌ] إلَخْ: تَقَدَّمَ لَك تَقْرِيرُ الْإِشْكَالِ عَنْ الْأَصْلِ.
قَوْلُهُ: [مِنْ نَجَاسَةِ الْجِلْدِ] : أَيْ غَيْرِ الْكِيمَخْتِ.
قَوْلُهُ: [فِي غَيْرِ الْمَائِعَاتِ] : مِنْ ذَلِكَ لُبْسُهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَا فِيهِ، لِأَنَّهُ يُمْنَعُ دُخُولُ النَّجِسِ فِيهِ وَلَوْ مَعْفُوًّا عَنْهُ.
قَوْلُهُ: [وَالدَّقِيقِ] : أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُوضَعَ الرَّحَا عَنْهُ.
قَوْلُهُ: [فِي الْمَاءِ الْمُطْلَقِ] إلَخْ: وَلَيْسَ مِنْهُ لُبْسُ الرَّجُلِ الْمَبْلُولَةَ لَهُ وِفَاقًا لِلْحَطَّابِ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي مَجْمُوعِهِ.
قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ] إلَخْ: وَمُقَابِلُهُ مَا شَهَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنُ الْفَرَسِ - بِالْفَاءِ وَالرَّاءِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ - مِنْ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْيَابِسَاتِ وَالْمَاءِ بَعْدَ دَبْغِهِ.
قَوْلُهُ: [جِلْدُ الْآدَمِيِّ] إلَخْ: أَيْ إجْمَاعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute