(وَإِنْ بِتَسَلُّفٍ لِرَاجِي الْقَضَاءِ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ حُكْمًا، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَرْجُهُ. (عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يَمُونُهُ) أَيْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ.
ــ
[حاشية الصاوي]
عَلَى التَّقْدِيرِ بَعِيدٌ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّهَا سُنَّةٌ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَادِيًا يُنَادِي فِي فِجَاجِ مَكَّةَ: أَلَا إنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. . .» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ فَرْضَهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَمَكَّةُ حِينَئِذٍ دَارُ حَرْبٍ، فَكَيْفَ يَتَأَتَّى فِيهَا النِّدَاءُ بِمَا ذُكِرَ؟ لِأَنَّهُ يُقَالُ: " بَعْثُ الْمُنَادِي ": يَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَنَةَ فَتْحِهَا وَهِيَ سَنَةُ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَنَةَ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ وَهِيَ سَنَةُ تِسْعٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَنَةَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ سَنَةُ عَشْرٍ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَكُونَ بَعْثَ الْمُنَادِي عَقِبَ الْفَرْضِ، وَرِوَايَةُ: " فِجَاجِ مَكَّةَ " هِيَ الصَّوَابُ. خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ مِنْ إبْدَالِ مَكَّةَ بِالْمَدِينَةِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالسُّنَّةِ، لِأَنَّ آيَاتِ الزَّكَاةِ الْعَامَّةَ سَابِقَةٌ عَلَيْهَا، فَعُلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ مُرَادَةٍ بِهَا أَوْ غَيْرُ صَرِيحَةٍ فِي وُجُوبِهَا.
قَوْلُهُ: [بِغُرُوبِ آخِرِ رَمَضَانَ عَلَى قَوْلٍ] إلَخْ: الْأَوَّلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ. وَالثَّانِي لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْأَخَوَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَشَهَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ. قَالَ بَعْضُهُمْ؛ الْأَوَّلُ: مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَ الَّذِي أُضِيفَتْ إلَيْهِ فِي خَبَرِ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ» : الْفِطْرُ الْجَائِزُ وَهُوَ مَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ رَمَضَانَ، وَالثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْفِطْرُ الْوَاجِبُ الَّذِي يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ. وَاعْتَرَضَهُ شَيْخُ مَشَايِخِهِ الْعَدَوِيُّ بِأَنَّ عَدَمَ نِيَّةِ الصَّوْمِ وَاجِبٌ فِيهِمَا. وَتَنَاوُلَ الْمُفْطِرِ جَائِزٌ فِيهِمَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ. وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أُخَرَ: الْأَوَّلُ: أَنَّ وَقْتَهُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا يَمْتَدُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا كَاَللَّذَيْنِ قَبْلَهُ. الثَّانِي: أَنَّ وَقْتَهُ مِنْ غُرُوبِ لَيْلَةِ الْعِيدِ مُمْتَدًّا إلَى غُرُوبِ يَوْمِهَا. الثَّالِثُ: مِنْ غُرُوبِ لَيْلَةِ الْعِيدِ مُمْتَدًّا إلَى زَوَالِ يَوْمِهَا. ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ (اهـ. بْن - كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ) .
قَوْلُهُ: [وَإِنْ بِتَسَلُّفٍ] : وَقِيلَ لَا تَجِبُ بِالتَّسَلُّفِ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ. فَعُلِمَ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالدَّيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute