للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأَسرع أَحمد في تقبيل يده فلم يوافق وعانقه وبكى وطيّب خاطره وأَجلسه معه على البساط بغير كرسي، ثم خلع عليه وأَركبه فرسًا وسايَرَه إلى أَن وصل القلعة، فأَرسله إلى بيتٍ أَعدَّه له مطلٍ على بركة الفيل (١)، ثم أَرسل إليه الظاهر بنحو عشرة آلاف دينار ومائتي قطعة قماش وعدّة خيول وعشرين مملوكا وعشرين جارية، ثم قدم ثقل أَحمد، ثم أَحضره الظاهر دار العدل، ثم تجهز السلطان وسافر بالعساكر إلى حلب بعد أَن تزوّج أُخت أَحمد واسمها تندى (٢) ودخل بها في ربيع الآخر، ثم سار فدخل دمشق في العشرين من جمادى الأُولى فأَقام بها، وجهّز أَحمدَ بن أويس في أَوّل شعبان ورسم له بجميع ما يحتاج إليه فدخل بغداد في رمضان فوجد بها مسعودًا الخراساني (٣) من جهة اللنك فقرّ، وأَقام أَحمد ببغداد واستخدم جنودًا من العرب والتركمان.

ووقع الوباءُ ببغداد ففرّ أَحمد إلى الحلَّة، وجرى على سيرته السيئة في سفك الدماء والجهد في أَخذ أَموال الرعيّة، ولم يزل على ذلك إلى أَن عاد اللنك طالبًا الشام ففرّ أَحمد إلى قرا يوسف ابن قرا محمد بن بيرم خجا صاحب الموصل واستنجد به فصار معه، وكان أَهل بغداد قد كرهوه فحاربوه وهزموهما (٤) معًا فدخلا بلاد الشام واستأْذنا أمير حلب - وكان يومئذ دقماق من جهة الناصر فرج - وذلك في شوال سنة اثنتين وثمانمائة، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فانهزم أَهل حلب وأُسِر دقماق ففدّى نفسه بمائة ألف، فبلغ الناصرَ ذلك فغضب وأَمر بتجهيز عساكر الشام فتوجّهوا، ففرّ قرا يوسف فأَوقعوا بأَحمد فكسروه ونهبوا ما معه وبعثوا بسيفه إلى النَّاصر، ثم قدم اللنك بلاد الشام وخرّبها في سنة ثلاثٍ وخرج منها؛ وكان أَحمد حينئذ قد فرّ إلى بلاد الروم.


(١) تقع هذه البركة فيما بين مصر والقاهرة، وكانت عمارتها وازدحام السكان بها بعد الستمائة من الهجرة، وقد نقل المقريزي: الخطط ٢/ ٥٨٠ عن ابن سعيد أنها كانت "دائرة كالبدر، والمناظر فوقها كالنجوم"، وأن العادة جرت على خروج السلطان والأهالي إليها ليلا، انظر أيضًا ابن دقاق: الانتصار، ٥/ ٤٥.
(٢) ترجم لها السخاوي في الضوء اللامع، ج ١٢ ص ١٦ رقم ٨٧ باسم "تندو بنت حسين بن أويس" وذكر أنها أبنة أخي أحمد وليست بأخته، وقد ماتت سنة ٨٢٢ هـ.
(٣) العزاوي: العراق بين احتلالين ٢/ ٢١٣.
(٤) المقصود بذلك أحمد بن أويس وحليفه قرا يوسف.