وفى ثامن صفر قدم قجقار القردمى القاهرة بأَخبار الواقعة، فأَراد أَسنبغا الزردكاش أَن يقبض عليه فمنعه يلبغا الناصري وقرأَ كتبه، واشتهر الخبر، ورَتَّبَ الناصر لقجقار ما يليق به وبمن معه وهم نحو ثلاثين نفرا.
ثم قدم كزل العجمى وعلى يده كتب من الخليفة والأُمراء بما تقدّم من خلع النّاصر.
وقدم بعده ساعٍ من عند الناصر يخبر فيه بأَنه ملتجئٌ إلى القلعة، ثم قدم قصروه وعليه خلعة الخليفة وكتابٌ إلى الناصريّ ومَن بالقاهرة من الأعيان، فقُرِئ وأُرسل إلى الجامع الطولوني فقرأَه ابن النقاش، ثم [أُرْسِل] إلى الجامع الأَزهر فقرأَه مسطرها (١) كما سيأْتى.
* * *
وفى السادس من صفر شاع بين الناس أَن قرايلك وغيره من التركمان وصلوا نجدةً مِنَ النَّاصر، فنادى مُنادِى شيخ بتكذيب ذلك و "أَن المذكورين جاليش تمرلنك فاحذروهم" ثم اجتمع الجميع وأَعادوا بيعة المستعين وجدّدوا له الأَيمان وأَنهم رضوا بأَن يكون حاكما عليهم، وأنه المستبدّ بالأُمور من غير معارضة أَحدٍ منهم له.
* * *
وفى الثامن من صفر اشتدّ القتال وحمل شيخ بمن معه فانهزم أصحابه وثبت هو ثم تراجعوا وصدقوا الحملة فانهزم أَصحاب الناصر، ووصل شيخ إلى طرف القنوات، فجاء دمرداش فأَعلم الناصر أَنه قد سهل القبض عليه وسأَله أَن يندب معه رجلًا فناداهم فلم يجبه أَحد، وأَعاد فأَجابه بعضهم بجوابٍ فيه جفاء، وإذا العسكر قد اختبط فإن نوروز كيسهم فهربوا بحيث لم يبْق بيْن يدى الناصر أَحد، فملك شيخ الميدان والإصطبل.
فأَشار دمرداش على الناصر أَن يرحل إلى حلب، فقام فدخل حريمه ليلًا وتجهَز فلم يخرج، فاستبطأَه دمرداش فتركه وسار وقام ناس على الأَسوار فنادوا:"نصر الله أَمير المؤمنين"، فلما سمع الرماة ذلك تخوّفوا على أَنفسهم ففروا، فركب الناصر فرسه ودار
(١) يعنى ابن حجر بذلك أَنه هو نفسه الذي قرأ هذه الكتب في الجامع الأزهر؛ والضمير في "مسطرها" عائد على أسطر إنباء الغمر.