القاضي جلال الدين البلقيني فوقفوا قريباً من قبة النصر فضجوا ودعوا بغير صلاة، وأتفق أن القاضي واجه التاج الوالي فأشار عليه أن يختفي خشية عليه مما اتفق لابن النشو بدمشق في آخر القرن الماضي على تقدم شرحه لأن الألسنة كانت انطلقت في حقه أن سبب الغلاء منه فرجع مختفياً، ورجع بعد ذلك الموقف وقد تيسر وجود الخبز قليلاً ثم فقد أشد مما تقدم فركب التاج الوالي إلى البلاد القريبة وتتبع مخازن القمح وألزم أصحابها بالبيع وقسم على الطحانين مقادير احتياجهم، فبلغت البطة الدقيق مائة درهم وزاد الأمر فانتهت إلى مائتين وبلغ القمح إلى ثلاثمائة درهم كل إردب، وبلغ الفول إلى ثلاثمائة، والأرز إلى ألف وثمانين، وتزايد في غضون هذه الأيام سعر الذهب إلى أن بلغ الهرجة مائتين وثمانين كل مثقال، وندب نائب الغيبة إلى كل فرن طائفة من الترك لمنع من ينهب وقعد حاجب الحجاب بنفسه على بعض الأفران واجتهد في ذلك حتى رأى الخبز على الحوانيت، وكان من اللطف الخفي في هذه المدة طلوع الزرع فاستغنى الناس لبهائمهم بالربيع ثم استغنوا لأنفسهم بأكل الفول الأخضر ثم فريك الشعير، وخرج الناس من ابتداء ذي الحجة أفواجا أفواجاً إلى الأرياف، ثم استشعر من عنده قمح من أهل الحصار والصعيد.........فأطلقوا أيديهم في البيع وكثر الجلابة من التجار فكثر الوصل، ومع ذلك فالغلاء مستمر والطالب للقمح غير قليل.
وفي هذا السنة قدم فخر الدين ابن أبي الفرج من بغداد فالتقى بالسلطان، فأكرمه وعفا عنه ذنبه الماضي وولاه كشف الشرقية والغربية والبحيرة وقطيا، فقدم القاهرة في أواخر شوال وأقام بها قليلاً وخرج إلى عمله ليحصل الأموال على عادته، وخرج السلطان من حلب في أوائل ذي القعدة وقبض على سودون القاضي وسجنه بدمشق، واستقر بردبك عوضه رأس نوبة،