للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَجمعين عن ذلك. واستمرَّتْ في صفر العمارةُ بالجامع ونودى أَن لا يُسَخَّر فيه أحدٌ، وأَن يُوَفَّى الصُّناعُ أَجْرَهم بغير نقص ولا يُكلَّف أَحدٌ فوقَ طاقته، واستمرّ ذلك.

وفي أَول صفر أَمر السلطان القضاةَ الأَربعة بعزْل جميع النواب - وكانوا قدْ قاربوا مائتي نفس - فمُنِعُوا من الحكم، ثم عرضهم في ثانى عشر صفر، وقرّر للشافعي والحنفى عشرةً عشرة، وللمالكيّ خمسة، وللحنبلي أَربعة. ثم سعى كثيرٌ - ممنْ مُنِع - عنْد كاتب السّرّ بالمال إِلى أَن عادوا شيئًا فشيئًا.

وفي نصف صفر نودى أَن لا يَتَزوّج أَحدٌ من العقاد أَحدًا من مماليك السلطان إِلَّا بإِذنه.

وفي ربيع الأَول عرض السلطانُ أَجْناد الحلقة فمرَّ به شيخٌ يقال له قطلوبغا السيفي وكان قد أُمِرّ في دولة منطاش تقدمةَ أَلف ثم أُهين بعد زوال دولته وخَمل في الأَيّام الظاهريّة إِلى أَن صار بأَسوءِ حال، فعرَفه السلطانُ فسأَله عن حاله فأَعلمه بسوء حاله، فاتَّفَق أَنّ السَلطان كان قد تغيّر على أَقبردى المنقار نائبِ الإسكندريّة وعَزَله فقَرَّرَ هذا في نيابتها بغير سعْيٍ ولا سؤالٍ ولا قدرةٍ حتى إِنه لم يجْد ما يتجَهَّز به.

وفى سابع عشر شهر ربيع الأَول أَشهد (١) السلطان على نفسه بوقْف الجامع الذي جدّده، اشتدّ الأَمر في العمارة في وسط السّنة، وتناهى أَهلُ الدولة في جَلْب الرُّخام إِليها من كل جهة وكذلك الأَعمدة.

وفيه ثار عليه (٢) أَلم رِجْلِه وصار ذلك يعتاده في قوة الشتاءِ وفي قوة الصيف، ويخفُّ عنْه في الخريف والربيع.

* * *

وفي ربيع الأَول هجم الفرنج نستراوة فنهبوا بها وأَحرقوا، ثم قَدِموا في ربيع الآخر إِلى يافا فأَسروا من المسلمين نِساءً وأَطفالًا، فحاربهم المسلمون ثم افتكّوا منهم الأَسرى بمالٍ، ثم كان منهم ما سنذكره قريبًا.


(١) في الأصل "أشهد عليه السلطان" وقد عدلت الصيغة إلى ما بالمتن ليستقيم المعنى.
(٢) أي على السلطان.