للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومنهم أيضا قطب الدين محمد المتوفى سنة ٧٤١ هـ الذي كان يستبضع الحرير بالإسكندرية إلى جانب قيامه بتدريس الحديث الشريف، وأنجب خمسةَ أبناء أَصغرهم نور الدين على والد أحمد صاحب"إنباء الغمر"، وكان مولد عليٍّ سنة ٧٢٠ ونشأَ في كنف الثراء مما أتاح له فرصة العناية بالدرس والتحصيل، وكان له ولع بالفقه والأدب والشعر، حتى خلّف كما ذكر ابنه في ترجمته - "عدة دواوين منها ديوان الحرم وهو مدائح نبوية مكية (١) "، ولم يَفُته أن يدوّن أحداث عصره الكبرى، ووجدَت هذه الأحداث لها انعكاسًا وصدًى تردّد في قصائده التي لم تقتصر على الجانب الديني فقط، وهو وإن فاتته المشاركة في الدفاع عن عن الاسكندرية وصدّ هجوم القبارصة عليها عام ٧٦٧ هـ (= ١٣٦٥ م) - ذلك الهجوم الذي عُدّ من نكبات الإِسلام يومذاك - فإنه لم يفته تصوير ذلك في شعره، وقد أورد له السخاوى بعض شعره في هذا الوقت في كتابه "الجواهر والدرر".

وقد هيأَته قدرته الأدبية ومكانته على أن تتوثَّق أواصر المودة بينه وبين جماعةٍ من نبهاء عصره في ميدان العلم والمال، كابن نباتة الشاعر وابن عقيل النحوى وزكيّ الدين الخروبى رئيس التجار بالديار المصرية الذي "دَاخَلَ الدولة وتعانى الرياسة إلى أن فاق الأَقران وخضع له أكابر التجار وصار عين أعيانهم"، وكان نور الدين على - والد صاحب الإنباء - قد احترف التجارة، وأَورد له أَبو المحاسن (٢) شعرًا يشير فيه إلى استبضاعه الكتان، وفيه يقول:

اسكندريَّةُ كم ذا … يسمو قماشُك عِزَّا

فَطَمْتُ نفسِيَ عنها … فلستُ أطلب بزَّا

ولا مشاحة في أن اشتغاله بهذه بالتجارة قد درّ عليه من الكسب ما جعله يرتع في بحبوحة العيش وأغناه عن التمسّك بالوظائف وإن شغل منها وظيفة نائب الحكم بالقاهرة لابن عقيل الذي توثقت بينهما عرى المودّة (٣) وارتفَعَت عن مظان الشبهة والمنفعة الذاتية، فآثرها على الوظيفة: يوم أن ولى ابن جماعة القضاء وغدا بينهما شيء من التنافس.


(١) راجع ترجمة رقم ٤٣ في وفيات عام ٧٧٧ ص ١١٦ - ١١٧ في هذا الجزء من الإنباء، وكذلك شذرات الذهب، ج ٦ ص ٢٥٢.
(٢) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة (ط. القاهرة) ج ١١ ص ١٢٣.
(٣) ابن حجر: المعجم المفهرس، ورقة ٨٧ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>