البحرى، فاستعدّ لذلك، وجمع فرسانَ العُربان من كل جهة وأوْسع لهم في إخْراج العُدَد التامة من أنواع السّلاح ووسّع لهم فى العطايا. وخرج في سادس عشره في جمع كثير فأَوْقع بطوائِفَ منهم يقال لهم عرب الهانة بناحية القلندون (١) والأَشمونين فانهزموا، واستمرّ متوجّها وحُصِّل له من البقر والجاموس والغنم والجمال ما لا يدخل تحت الحصْر فإنَّ بعضه هلك وبعضه وصل وشرعوا في رمْيِه على الناس، وقرّر على البلاد الصعيدية نحو ما قُرِّر على البلاد البحريَّة.
* * *
وفيها مات فرح بن الناصر فرج بن برقوق بالإسكندرية مطعونًا، فشاع في القاهرة أنه هو وأخاه والخليفة ماتوا جميعًا، فلهج النَّاس بأنهم ماتوا بالسمّ، ثم تبيّن فساد ذلك وأنه لم يمُتْ إلَّا هذا وحْده بالطاعون، وانْكَسَرَتْ بموْته حدّة كثيرٍ من المماليك السلطانية الناصريّه، وكان فى كل وقْت يُشاع أنهم يريدون الثورة ليسلطنوه.
وفشا الطاعون بالإسكندرية ودمياط، ووقع منه بالقاهرة شيء يسيرٌ بَلغ في اليوْم أربعين نفسًا.
* * *
ومن الحوادث أَن السلطانَ نَزل وحْده في سادس ذى الحجة بغير أميرٍ من الأُمراء إلى الجامع بباب زويلة، فنظره وطلع إلى أَعاليه وشاهَد المواضعَ التي تأخَّرت من الأَبنية، ولم يكن صحبَتَه سوء الأُستادار وكاتب السّرّ ونحو عشرة من المماليك، فلمّا نزل من الجامع دخل بيت كاتب السرّ ثم خرج منه فدَخَل بيت زين الدين عبد الباسطِ ناظرِ الخزانةِ الشريفة.
وفى سابع عشر ربيع الآخر سقط من العمارة المؤيّدية عشرة أِنفس فمات أربعة وكُسر ستة.
(١) القلندون: من صعيد مصر بمركز ملوى، وقد يقال لها القلنديمون، راجع عنها محمد رمزى: القاموس الجغرافي، ق ٢، ج ٤، ص ٦٧.