يجمع مالاً يفرقه على العساكر ويترك الذي عنده عاقبة ولو أن الذي يجمعه يكون قرضاً، فبلغ ذلك الهروي فقال لأحمد الجنكي: لو أراد السلطان أن أجهز له عشرة آلاف لابس من غير أن يخرج من خزانته دينارً ولا درهماً من غير أن أظلم أحداً من الرعايا فأنا أقدر على ذلك، فسئل عن الكيفية، فقال: يسلم لي ستة أنفس: ولدي ابن الكويز وابن البارزي وعبد الباسط وابن نصر الله وابن أبي الفرج، فبلغ ذلك أحمد الجنكي للسلطان فبثها في خواصه فبلغت المذكورين، فاتفقت كلمتهم على نكب الهروي ونسبته إلى كل بلية وأنه لم يكن قط عالماً ولا ينسبوه لعلم ولا ولي القضاء قط وما وظيفته إلا استخلاص المال وشد الديوان ونحو ذلك، فبالغوا في تقرير ذلك في ذهن السلطان، واستعان كل واحد منهم بفريق وأعانوه على ذلك حتى سقط من عين السلطان، وذكر لهم السلطان بأنه كان قال له وهو متوجه إلى قتال قانباي إن أردت المال فخذه من ابن المزلق وابن مبارك شاه وسمي غيرهما من المنسوبين إلى المال من أهل دمشق، فأكد ذلك عند السلطان تصديق ما ينسب من محبة الظلم، وكان ذلك سبباً في إطراحه.
وفي حال دخول قرا يوسف البلاد الحلبية فر منه كثير من التركمان الأوشرية وغيرهم فنزلوا على صافيتا من عمر طرابلس فافسدوا في تلك البلاد على عادتهم، فأرسل م برسباي نائب طرابلس ينهاهم عن الفساد. ثم صحت الأخبار برحيل قرا يوسف فراسلهم برسباي في الرحيل إلى بلادهم، فأجابوا إلى ذلك وتجهزوا، فكبس عليهم على غرة منهم في أواخر شعبان، فقتل منهم مقتلة عظيمة قتل فيها ثلاثة عشر نفساً من عسكر طرابلس منهم سودون الأسندمري وانهزم برسباي، وقد أفحش التركمان في سلب الطرابلسيين حتى رجعوا عراة، فلما بلغ ذلك السلطان غضب وأمر باعتقال برسباي بقلعة المرقب، ثم أفرج عنه بسعي ططر وكان من إخوته ونقله إلى دمشق ثم أعطاه تقدمة بها، فاستمر فيها إلى أن كان عاقبة أمره أن تولى السلطنة بعد هذا، واستبد بالأمر كله بعد ثلاث سنين، وجهز سودون القاضي إلى طرابلس أميراً عليها عوضاً عنه، فسافر في شوال.