قربت من البلاد، فركب قبل الصبح فأوقع بالمقدمة فهزمها. واستفهم من بعض من أسره فأعلمه أن قرا يوسف بعينتاب وأنه أرسل هؤلاء ليكشفوا الأخبار، ثم وردت كتب قرا يوسف إلى نائب حلب وإلى السلطان يعتذر من دخوله إلى عينتاب ويعاتب على إيواء عدوه قرا يلك ويعلم السلطان بأنه باق على مودته ومحبته وأنه لا يطرق بلاده، وأن قرا يلك بدأه بالشر وأفسد في ماردين وغيرها، وحلف في كتابه أنه لم يقصد بلاد السلطان ولا دخول الشام وإنما تقدمه إليه الطائفة الملتجئة من عساكر صاحب مصر، وجهز السلطان لنائب حلب خلعة وضمن كتابه شكره على ما صنع بحلب، وكان الأمر كله على ما ذكره، فإن قرا يوسف أفحش السيرة في ماردين وأسرف في القتل والسبي حتى باع الأولاد والنساء وأحرق المدينة حتى وصل ثمن صغير منهم إلى درهمين، فلما تحقق السلطان ذلك فتر عزمه عن السفر، ولما طرق قرا يوسف عينتاب هجم عليها عسكره فنهبوها وأحرقوا أسواقها، فاجتمع أهلها وصالحوه على مائة ألف درهم وأربعين فرساً، فرحل عنها إلى جهة البيرة في طلب قرا يلك فحصر البيرة فقاتلوه أهلها يومين، فهجم البلد وأحرق الأسواق وامتنع أهلها منه بقلعتها، ثم رحل في تاسع عشر رمضان إلى بلاده، وكاتب السلطان أيضاً يذم قرا يلك ويذم سيرة قرا يلك ويحذره من عواقب صداقته وما أشبه ذلك، وعوقب قرا يوسف على ما صنعه بأهل عينتاب والبيرة، فمات ولده شاه بصق وكان هو السلطان والمشار في دولة والده، فحزن عليه جداً، وكانت وفاته بقرب ماردين.
وفي هذه الحركة ابتدأ أمر الهروي في الانحلال، فأخبرني المحتسب بدر الدين العيني أن السلطان لما انزعج من قصة قرا يوسف وشكا إلى خواصه صورة الحال وأن عنده من الأموال ما يكفي تفرقته على العسكر إلا أنه يخشى إن فرقه أن يحصل له كسره مثلاً فيرجع إلى غير شيء فيفسد الحال، وكان الحزم عنده أن يكون وراءه بعد التفرقة ذخيرة لأمر إن تم، وكرر ذلك في مجالسه، واستشار من يجتمع به في ذلك حتى صرح بأنه يريد أن