للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما يطأُ السراري بملك اليمين، ثم اتّفق الحال على كتابة فتوى تتضمن سوءَ سيرته، فصُوّرت وكُتِبَت، وكَتَب عليها البلقينى ومَن حضرَ المجلس يتضمن جواز قتاله، وأُعْجِب السلطانُ بما كتبه الحنبلي فأَمر أَن يُنْسَخ ويُقرَأَ على الناس، وانصرفوا ومعهم مقبل الدويدار الثاني والخليفةُ والقضاةُ فنادوا في القاهرة بأَن "قرا يوسف طرقَ البلاد الشامية! وأَنه يستحلّ الدماءَ والفروج والأَموال ويخرّب الديار، فالجهاد!! الجهاد!!، ولا يتأَخر أَحد من المساعدة بنفسه وبماله"، فذهل الناس عند سماع هذا النداء ودهاهم ما كانوا عنه غافلين، واشتد القلق جدا.

وكُتب إِلى نائب الشام أَن ينادى بمثل ذلك في كل مدينة ويضيفَ إِلى ذلك أَن السلطان واصلٌ بعساكره، ثم نودى في أَجناد الحلقة بأَن يتجهزوا للسفر، ومن تأَخر منهمَ صُنع به كذا وكذا؛ فاشتد الأَمر عليهم واستمر عزمهم وخُيّرُوا بين المشي في خدمةِ الأُمراء وبين الاستمرار في أَجناد الحلقة، وكان السبب في ذلك أَن كثيرا من أَجناد الحلقة تخدم في بيوت الأُمراءِ فلذلك قلت العساكر المصرية بعد كثرتها، لأَن العسكر كانت قبل الدولة الظاهرية ثلاثة أَقسام (١)، الأَول: مماليك السلطان وهم على ضربين: مستخدمين ومملوكين، ولكلٍّ منهم جوامك وراتب على السلطان.

والقسم الثاني: مماليك الأُمراءِ وهم على ضَرْبين أَيضا كذلك.

ومن شرط المستخدمين هنا وهناك أَن لا يكونوا من القسم الثالث وهم أَجناد الحلقة، وهم عبارة عمن له إقطاعٌ بالبلاد يستغلّه، فلما كثر استخدام السلطان والأُمراء من أَجناد الحلقة إتخذ (٢) أَكثرُ الناس من الجند فقَلَّ العدد بذلك. فأَراد السلطان أَن يردهم إلى عادتهم الأُولى وشدد في ذلك، ومع ذلك فلم يبلغ الغرض ولا كاد لتواطئ المسلمين في ذلك على أَخذ الرشوة، والله المستعان.

وأَما قرا يلك فإِنه بعد أَن التجأَ إلى حلب ركب معه يشبك الشيخي نائب حلب وعسكرَ بالميدان، ثم توجه قرا يلك ومعه العسكر فبلغه أَن طائفة من عسكر قرا يوسف قد


(١) أمامها في هامش هـ بخط البقاعي: "التعريف بأصناف العسكر المصرى".
(٢) وردت هذه العبارة في هـ على الصورة التالية: "اتخذ أكثر الجند فقل العدد بذلك".