وفي رمضان غلت الأسعار وبلغ الإردب من القمح ثلاثمائة درهم وأزيد، وسبب ذلك كثرة الحرامية بالنيل، فقل الجلب من الوجه القبلي وحمل من الوجه البحري إلى الصعيد من الغلال ما لا مزيد عليه لشدة الغلاء الذي هناك حتى أكلت القطاط والكلاب، وكان سبب ذلك الغلاء بمصر أن النيل نزل بسرعة فزرعوا في الحر على العادة في السنين الماضية فأفسدت الدودة البرسيم، وتأخر المطر في الخريف والشتاء في الوجه البحري فلم تنجب الزروع، وخرج السلطان إلى سرحة البحيرة فأتلف شيئاً كثيراً.
وفي رابع عشر شوال عقد مجلس بسبب قرقماش أحد المقدمين من الأمراء، فادعى عليه مملوك أنه قطع أنفه وأذنه، فأنكر فأحضر البينة، فدفعه السلطان للقاضي المالكي.
وفي سابع عشر شوال رحل جقمق إلى دمشق لولاية إمرتها، وقرر قطلوبغا التنمي في إمرة صفد عوضاً عن مراد خجا، ورسم بنفي مراد خجا الشعباني إلى القدس.
وفي يوم الجمعة حادي عشري شوال قرر الشيخ شمس الدين بن الديري في مشيخة المؤيدية وتدريس الحنفية بها، ونزل السلطان إلى الجامع وخلع عليه، وباشر فرش سجادته إبراهيم ابن السلطان، وتكلم على قوله تعالى " الذين إن مكنهم في الأرض أقاموا الصلوة " الآية وخلع على كاتب السر ابن البارزي، واستقر خطيباً وخازن الكتب، ومد السماط الكبير فأكل الخواص ثم تناهبه العوام، وعرض للسلطان الطلبة فقرر من شاء وصرف من لم يصلح في نظره، وخطب ابن البارزي خطبة بليغة أجاد فيها أداء وإنشاء، واستقر في تدريس التفسير بالمؤيدية بدر الدين ابن الأقصرائي، وفي تدريس الحديث بدر الدين العينتابي، وخلع على ولد كاتب السر القاضي كمال الدين خلعة السفر إلى الحجاز وكذلك على شهاب الدين الأذرعي إمام السلطان، ثم ركب السلطان من يومه إلى الجيزة فأقام ثلاثة أيام.