للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خلعته وقال له: "إن العادة جرت أَن القضاة يحضرون معهم بخلعهم" فقال: "ظننت أَنه يخلع عليهم من عند السلطان فلم أَحضر بخلعتى" فلم يعجب ذلك السلطان، وكأَنه أَراد تلافي خاطره فاستأْذنه في إنشاد أَبياتِ مدح له فيه، فأَذن له فأَنشدهُ وهو قائم، فأَطال فمل منه وقطع الإِنشاد وركب الفرس ومضى، وأَظهر النّفار لما ركب.

* * *

وفى حادى عشر ذي القعدة توجه السلطان إِلى الوجه البحرى للسرحة وانتهى إلى مريوط، فأَقام بها أَربعة أَيامٍ فأَعجبه البستان الذي هناك، وكان الظاهر بيبرس قد استجدّه هناك، وكان كبيرا جدا وفيه فواكه عجيبة وآثار ومناظر بديعة، وبئر لا نظير لها في الكبر، وعليها عدة سَوَاقٍ من جوانبها، وكان البستان المذكور قد صار للمظفر بيبرس ووقفه على الجامع الحاكمي، فتقدم السلطان إلى بعض خواصه باستئجاره وتجديد عمارته، فشرع في ذلك، ورجع السلطان من الوجه البحرى فأَدركه عيدُ الأَضحى بناحية وردان (١)، فخطب به كاتب السر ابن البارزى وصلى به صلاة العيد وضحى هناك، وفقد الناس بالقاهرة ما كانوا يأَلفونه من تفرقة الأَضاحي لغيبة السلطان والأُمراء، والله المستعان.

ووصل في الثاني (٢) عشر إلى البر الغربي فعدى إلى بيت كاتب السرّ ابن البارزي،


(١) وردان من البلاد القديمة بمركز إمبابة محافظة الجيزة، انظر عنها القاموس الجغرافي، ق ٢، ج ٣ ص ٦٠.
(٢) أمامها في هامش هـ: "قال كاتبه إبراهيم بن عمر البقاعي: وفى نهار السبت وليلة الأحد تاسع شعبان من سنة إحدى وعشرين هذه أوقع ناس من قريتنا خربة روحا من البقاع يقال لهم بنو إبراهيم بأقاربى بنى حسن من القرية المذكورة فقتلوا تسعة أنفس منهم: أبي عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر وأخواه محمد وسويد شقيقه وعلى أخوهما لأبيهما، وضربت أنا بالسيف ثلاث ضربات أخذتها في رأسي فجرحتى، وكنت إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة، فخرجنا من القرية المذكورة واستمرينا تتنقل في قرى بوادي التيم والرعقوب والشعرا، إلى أن أراد الله تعالى بإقبال السعادتين الدنيوية والأخروية فنقلني جدي لأبي على بن محمد السليمي إلى دمشق في سنة اثنتين وعشرين فجودت القرآن وجددت حفظه وأفردت القراءات وجمعتها على بعض المشايخ ثم على التقى ابن الجوزى حين قدم إلى دمشق سنة سبع وعشرين وغيره، واشتغلت بالنحو والفقه وغيرهما من العلوم وكان ما أراد الله من التنقل في البلاد والفوز بالغزو والحج أدام الله نعمه أمين؛ ومن ثمرات ذلك أيضا راحة من الحروب والوقائع التي أعقبتها هذه الواقعة فإنها استمرت أكثر من ثلاثين سنة ولعلها زادت عن مائة وقعة كان فيها ما قاربت القتل فيه ألفا".