للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الثالث من ذي القعدة قُبض على بدر الدين بن محب الدين الوزير الذي كان يقال له المشير، وتسلمه أَبو بكر الأُستادار بعد إخْراقٍ شديدٍ وإهانة، وكان قد سار في الوزارة سيرةً قبيحة وتُتُبِّعَتْ حواشيه فقُبِض عليهم، ثم أُفرج عنهم على مال، وقُرّر في الوزارة بدر الدين بن نصر الله وأُعْطِى تقدمةَ أَلف، فنزل الأُمراءُ في خدمته وسُرّ الناس وضربت الطبلخاناة في آخر النهار على بابه، ولم يقع ذلك لصاحب قلمٍ تزيا بزي التركية من المتعممين قبله، بل الذين وصلوا إِلى ذلك من ذوى الأَقلام غيّروا هيئاتهم ولبسوا عمائم الترك سوى هذا، وقد تبعه مَن بعده على ذلك ما سنبينه في الحوادث إن شاءَ الله تعالى.

* * *

وفي رمضان أُكملت عمارة المدرسة الفخرية بين السورين وقُررت فيها الصوفية، وفُوضت مشيختها للشيخ شمس الدين البرماوى، ودرْسُ الحنفية للقاضي شمس الدين الديري، ودرس المالكية للقاضى جمال الدين المالكي، ودرس الحنابلة للقاضي عز الدين البغدادي ثم المقدسى الذي ولى عن قرب تدريس الحنابلة بالمؤيدية، ولم يستطع فخر الدين الأُستادار الحضور عند المدرسين لشدة مرضه، وتمادى به الأَمر إلى أَن مات في سادس عشر شوال ودفن بها في فسقيةٍ اتخذت له بعد موته. واستقر في الأُسْتادارية نائبه في الكشف على الوجه القبلى: أَبو بكر بن قطلوبك بن المزوق، وكان زوج أُخته، فسكن في داره، واستقر في نظر الأَشرف عوضا عنه كاتبُ السر ابن البارزي. وأَوصى فخر الدين بجميع موجوده للسلطان وعيّنه في دفاتر اشتملت قيمتها ما بين عينٍ وأَثاثٍ على أَربعمائة أَلف دينار، فتسلمها أَصحاب السلطان ولم يُشَوِّش على أَحد من أَولاده، وإِنما صودر بعض حاشيته على مال وأُطلقوا.

وفى شوال حضر القضاة القصر الكبير وقد لبس الأُمراءُ والمباشرون الخلع على العادة، ولبس القضاة خلعهم إلا الحنبلي، فسلموا على السلطان فتغيظ على الحنبلي لعدم (١) لبس


(١) في هامش ث: "الذي يظهر لي أن الحنبلي إنما لم يلبس خلعته وأخرها لأجل اعتماده على المديح الذي نظمه في السلطان حتى إذا أنشده ورآه بغير خلعة يلبسه خلعة ويتميز بها على غيره، فجاء الأمر على خلاف مقصده، والله أعلم".