ذلك، وعز وجود التبن حتى بلغ الحمل دينارا، وكان قبل ذلك كل خمسة أَحمال بدينار، ثم ارتفعت الأَسعار في ذى الحجة وقَلَّ وجود الخبز في الأَسواق، وبلغ سعر الفول ثلاثمائة كلُّ أَردب لعِزَّته، ولم يبلغ القمح سوى مائتين وخمسين.
وفى تاسع شعبان نودى أَن لا يتعامل الناس بالدّينار المشخص الإِفرنتي إِذا كان ناقصًا، وكان سبب ذلك أَن الإِفرنتي - زنة المائة منه - أَحد وثمانون مثقالا وربع مثقال - هكذا يحضر من بلاده - فولع به الصيارفة وغيرهم، فصاروا يقصّونه ويبردونه إلى أَن استقر حال المائة بثمان وسبعين وثُلث. وانتظم الحال على ذلك فكان في الكثير منها نقص فاحش بحسب ما بيع حين القص من جور المِقَصّ، ففسدت المعاملة جدا، فنودي أَن لا يتعامل بالناقص عن درهم وثُمْن بل ينقص رَدْعًا لهم من القص، فمشوا على ذلك شيئا يسيرا ثم رجعوا إلى ما كانوا عليه.
* * *
وفى أَوائل شعبان عظم الشر بين فخر الدين الأُستادار وبدر الدين بن نصر الله وتفاحشا بحضرة السلطان، ورمى ابن نصر الله فخرَ الدين بعظائم منها أَنه قال له:"أَكْثَرُ مَا تَمنّ به على السلطان حَمْل المال إليه، وجميع ذلك مما يعرف يصنعه قطاع الطريق، ولولا الدين لكنت أَصنع كما تصنع بأَنْ أُرسل غارةً على قافلة من التجار فأُبيتهم فيصبحوا مقتولين وآخذ أَموالهم، ونحو ذلك من القبائح!! " فلم يكترث السلطان بذلك وأصلح بينهما.
فلما كان يوم التاسع من شعبان قُبض على بدر الدين وسُلم لفخر الدين فما شك أَحد في هلاكه، فعامله فخر الدين بضد ما في النفس وأَكرمه وقام له بما يليق به وأَرسل إِلى أَهله بأَن يطمئنوا عليه، وركب من الغد إلى السلطان - وهو ببركة الحبش يعرض الهجن لأَجل الحج - فلم يزل به يترفّق له ويتلطّف به ويلح عليه في السؤال في أَن يفرج عن ابن نصر الله إِلى أَن أَجابه، فلما عاد أَركبه دابته إلى داره فبات بها وركب في بكرة النهار الثاني عشر منه إلى القلعة ورجع وقد خُلع عليه، فسر الناس به سرورا كثيرا، وعدت هذه المكرمة لابن أَبي الفرج واستُغْربَتْ من مثله.