للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهما أَو منهما، فأَمر الدويدارُ الكبيرُ بقطع أَكمامهما وتَجْريسهما بالقاهرة ماشِيَيْن، وتأَلَّم الناس لذلك، وقيل إنهما كانا مظلومين، وتوجّه ابن المؤيد إلى القدس خجَلًا من الناس.

* * *

وفي ثامن عشري صفر عُقِد مجلس بسبب الفلوس فاستقر الأَمر فيها على تمييزها مما خالطها كما سيأتي، ونودى على الفلوس أَنَّ الخالص بسبعة دراهم كل رطل، والمخلوطة كل رطلٍ بخمسةِ دراهم، وحصَل بين الباعة بسبب ذلك منازعاتٌ، ثم في آخر رمضان نودى على الفلوس المنقَّاة بتسعةٍ، وبمَنْعِ المعاملة من المخلوطة أَصلًا، فسكن الحال ومشى.

وفيه عُزِّرَ فخرُ الدين عثمانُ المعروف بابن الطاغي (١) خازن كتب المدرسة المحموديّة بالموازِيّين ظاهر القاهرة فضَرب بين يدى السلطان، وكان قد رُفع عليه أَنه فَرَّط في الكتب الموقوفة وهى مِن أنفس الكتب الموجودة الآن بالقاهرة لأَنها من جَمْع القاضي برهان الدين ابن جماعة في طول عمره، فاشتراها محمود من تركة ولده ووقفها وشرط أَلا يخرج منها شيء من المدرسة، واستحفظ لها إمامه سراج الدين، ثم انتقل ذلك لعثمان المذكور، بعد أَن رُفع على سراج الدين المذكور أَنَّه ضيع كثيرًا منها، فاخْتُبِرَتْ فنَقَصَتْ نحو مائة وثلاثين مجلدة فعُزِل سراج الدين وقُرِر عثمانُ فاستمر يباشر ذلك بقوةٍ وصرامة وجلادةِ وعدمِ التفات إلى رسالة كبيرٍ أَو صغير، حتى إنَّ أكابر الدولة وأَركان المملكة بها يحاوله الواحد منهم على عارية كتابٍ واحدٍ، وربما بذلوا المالَ الجزيل فيصمّم على الامتناع حتى اشتهر على ذلك أَمره، فرفع عليه شخص من الناس أَنه يرتشي في السرّ فاختُبِرتْ الكتب وفُهْرِسَت فنَقُصَتْ العُشْرَ سواء لأَنها كانت أربعة آلاف مجلدة فنقصت أربعمائة، فألْزِم بقيمتها فقُومت بأَربعمائة دينار فباع فيها موجوده وداره وتأَلَّم أكثر الناس له، ولم يكن عيبه سوي كثرة الحيف على فقراء الطلبة وإكرام ذوى الجاه.


(١) هو فخر الدين عثمان البكرى التلاوى ويعرف بالطاغي، وقد فرط في كتب المدرسة المحمودية مما دعا إلى عزله و تعزيره بالضرب بين يدى السلطان برسباي، واستقر عوضه ابن حجر، راجع ترجمة رقم ٩، ص ٣٥٦، من هذا الجزء وكذلك الضوء اللامع ٥/ ٤٩٠.