للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في ترجمة أحد المعتَقَدين بمصر وهو الشيخ يحيى الصنافيري الذي "كثرت مكاشفاته حتى صارت في حدّ التواتر (١) ".

وكان لنور الدين على ولدٌ من غير زوجته تجار، فَضُل وقرأ "المنهاج" في الفقه ثم أدركته المنية فكان موته نازلة ارفضّ لها صبر أَبيه فاستسلم للوجد وأَمسى لا يتقارّ من الجزع، غير أن عقيدته في الشيخ يحيى الصنافيرى حملته على تلقِّى المصاب بجُنَّةٍ من صبره وذلك حين بشَّره الشيخ بأَن الله سيخلف عليه ولدا ويعمره (٢)، فولدت له "تجار" ولدهما أبا الفضل "أحمد"، لكن ما لبث الأب أن مات وابنه ما زال في الرابعة من عمره، وكان قد عهد برعايته - حين حضرته الوفاة - إلى اثنين من أبرز رجالات عصره أحدهما زكي الدين الخروبي وثانيهما شمس الدين محمد بن القطان (٣) الذي نقل عنه ابن حجر مرات عدّة فيما شهده ابن القطان ثم دوّنه في ثنايا كتابه "إنباءِ الغُمر"، ثم انقطع آخُذُه عنه بموته عام ٨١٣ هـ (٤) غير أن الشخص الذي عنى بتربية أحمد الصغير أشدّ العناية كان زكي الدين الخرّوبي الذي ربطته بنور الدين عليٍّ رابطة المصاهرة، نستدل على ذلك مما أَورده ابن حجر ذاته من أن أباه كان متزوجا من أُخته، ولسنا نعرف أكانت هذه الزوجة هي التي أنجبت له الولد الذي قُبض قبل أحمد أم غيرها، وعلى أية حال فما كاد نور الدين على يموت حتى كفل الخروبي أحمدًا اليتيم ورعاه وأدخله الكتّاب، وسرعان ما تجلّت قدرته وظهرت مقدرته في التحصيل، فما انقضت خمس سنوات حتى كان قد أتمّ حفظ القرآن وتجويده، كما وضح للعيان ما وهبه الله من حافظةٍ واعية حيث حفظ سورة مريم في يوم واحد، وقد عاونته هذه الحافظة القوية فيما بعد على استيعاب الأَحاديث والروايات، فكان لا يقرأُ شيئًا إلَّا انطبع في ذهنه وظل حيًّا رغم مرّ السنين وتوالى الأَحداث وتراكمها؛ والواقع أن الفضل الأَكبر في إبراز ملكات أحمد وتوجيهها التوجيه الصحيح يرجع إلى زكيّ الدين الخروبي الذي لم يَألُ جهدا في رعايته وتثقيفه، وكان الخروبي كريم المهزّة فيما يتعلّق بتربية أحمد فجعل له مربية


(١) ابن حجر: الدرر الكامنة، ج، رقم ١١٩٩.
(٢) ابن حجر: الدرر الكامنة، ج ٤ رقم ١١٩٩.
(٣) السخاوى: الجواهر والدرر، ورقة ٥٨ أ.
(٤) ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب، ج ٧ ص ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>