للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على بغلةٍ مقيد، فلما وصل إلى المدرج باس الأَرض ومشى في قَيْدِه إلى أن وقف قُدّام السلطان بالمقعد.

وحضر ذلك أَميُر مكة، ورُسُل ابنِ عثمان، ورُسُل ملك تونس، ورُسل أَمير التركمان، ورُسُل ابنِ نعير، وكثيرٌ من قصاد أُمراء الشام، وكان اتفاق حضورهم من المستغرب.

فلما رآى السلطانَ عفَّر وجهه فى التراب بعد أَن كشفه،، وخلع السلطان على الأُمراء، ثم قُرِّر عليه مائتا أَلف دينار يحمل منها - وهو بمصر - النصف، ويُرْسِل النصف إذا رجع، وأُلْزِم بحمل عشرين أَلفَ دينارٍ كلَّ سنة، ثم أُفرِج عنه بعد أَن حمل ما قُرِّر عليه معجّلا، وتوجّه فأَرسل شيئا بعد شئ إلى أَن أَكمل ما أَرسله خمسة وسبعين أَلف دينار، وقُدِّرت وفاته عقب ذلك؛ ويقال إنه كان فَهْمًا عاقلا عارفا بنظم الشعر بلسانه ويعربه بالترجمان، فأملى على بعض مَن معه هذه الأَبيات:

يا مَالِكًا مُلْكَ الوَرَى بحُسَامِهِ … اُنظُرْ إلىَّ برحْمَةٍ وتعطُّفِ

وارْحَمْ عَزِيزًا ذلًّ وامْنُنْ بالذِي … أَعْطَاك هذَا المُلْكُ والنَّصْر الوَفي

إنْ لم تُؤَمِّنِّى وَتَرَحَمْ عَبْرَتى … فبِمَنْ أَلوُذُ وَمَنْ سِواكُمْ لِي يَفي؟

فلما قُرئت على السّلطان وعرَف معناها رقَّ له وقال: "عفْوتُ عنه"، وتقرر الحال معه بعد ذلك أَن يكون نائبا عن السلطان في قبرص وما معها، وأن يُقَرّر عليه لبيت المال في كل سنة بأَلفى ثوب صوف ملونة، قيمتها قريبٌ من عشرين أَلف دينار، وأَن يُعجِّل بسبعين أَلفَ دينارٍ خارجا عن الذى يحتاج إليه للحاشية، فأُلبس تشريفًا ومركوبا، وعَذَبَة، وتوجه المسفَّر صحبته إلى الإسكندرية يومئذ، وطلب جميع التجار من الفرنج المقيمين بها فأَقرضوه المبلغ جميعه، فعجّل به قبل أن يصل إلى بلاده.

وكان أَمير الإسكندرية آقْبُغَا التَّمْرَازى فأَمر بعرض جميع مَن بها من الجند، فكانت عدتَهم ألفين وخمسمائة نفس (١)، واجتمع من الرّعية ما لا يحصى عددهم فاصطفُّوا له سماطين على طريقه، فلما رآى كثرتهم قال: "والله إنَّ كل مَن في بلاد الفرنج ما يقاوم أهل


(١) في هـ "ملبس".