الجكمي فلم يجد الريح تساعدهم، فتبعهم إياس الجلالي فقطع مركبًا ووقع القتال بينهم وكان بالمركب ثلاثمائة مقاتل غير الأتباع، فرمى عليهم بالسهام الخطَّابية حتى ما بقى أَحد منهم يجسر يُخْرِج رأْسَه، فطلع المسلمون وملكوها وقتلوا أكثر من بها، واستمرت بقيةُ المراكب هاربةً في البحر حتى غابوا عن الأَعين وكفى الله المؤمنين القتال بهزيمة مَن في البحر من الفرنج.
وكان سبب ثباتهم في القتال أَنهم لم يعلموا بما اتفق لملكهم من الأَسر ولعسكره من الهزيمة، واستمر المحمودى حتى دخل المدينة هو ومن معه وذلك في يوم الجمعة خامس شهر رمضان فخشى من مع المحمودي على أنفسهم لقِلَّتهم، فشجّعهم المحمُودي ثم دخل القصر فوجد به من الأَمتعة مالا يُحصر، فأَقاموا بها صلاة الجمعة وأَذَّنوا على صوامع الكنائس،، ثم خرجوا يوم السبت ومعهم الغنائم الكثيرة والأَسرى، فلما وصلوا إلى المراكب اجتمعوا وحصروا عدد الأسرى فكانوا ثلاثة آلاف وسبعمائة نفسٍ، واختَلَف رأيهم في الإقامة والمطالعة بما وقع من الفتح وانتظار وصول الرسول بالجواب أو التوجّه بالأَسرى والغنائم، والعود إذا أراد السلطان مرةً أخرى لاستئصال بقية الفرنج والاستيلاء على بقية الغنائم، فغلب الرأي الثاني، وصَحِبَتْهم الغنائم والأَسرى ومن جملتهم عظيمهم وهو مقيدّ، فلما وصلوا إلى ساحل بولاق ركب صاحب قبرص وولده وابن أَخى صاحب الكتلان على بغالٍ عُرْج، وأَعلامه منكَّسة أَمامه، وحُملت الغنائم والأَسرى على الجمال والبغال، وشقُّوا المدينة، وكان ذلك في يوم الاثنين ثامن شوال ومعه الأُمراء والجند، ولم يبق بالقاهرة ومصر وضواحيها كبير أَحدٍ إلَّا حضر الفرجة حتى سدّوا الأُفق، وكان أَول الحمالين باب المدرج وآخرهم بولاق، فلما وصلوا به إلى القلعة كَشف رأسه وكبَّ على وجهه عند الباب حتى قبَّل الأَرض، ثم أُحضر بين يدى السلطان فقَبَّل الأَرض مرارًا وسقط مغشيًا عليه، فلما أفاق ردّوه إلى مكانٍ أعدّوه له.
وكانت صورة دخولهم أنهم ترتبوا من الميدان الكبير ثم أدخلوهم من باب القنطرة فشقوا القاهرة، واجتمع أهلُ البلد حتى لم يتخلف كبيرُ أَحد، فكان أمرًا مهولا من كثرة الخلق، وجاز الأُمراء ثم الأَسرى ثم الغنائم وتاج الملك وأَعلامه منكسة وهو راكب