إلى الديار المصرية سنة ثمان وسبعين وله عشرون سنة، فأخذ عن الشيخ أكمل الدين وغيره، ثم رجع إلى الروم فولي قضاء برصا مدة؛ ثم تحول إلى قونية فأقام بها، فلما وقع الحرب بين ابن قرمان وابن عثمان وانكسر ابن قرمان أخذ ابن عثمان الشيخ شمس الدين المذكور إلى برها ففوض إليه قضاء مملكته وارتفع قدره عنده فوصل عنده المحل الأعلى وعذق به الأمور كلها وصار في معنى الوزير واشتهر ذكره وشاع فضله، وكان حسن السمت كثير الفضل والإفضال غير أنه يعاب بنحلة بن العربي وبأنه يقرىء الفصوص ويقرره، ولما قدم القاهرة لم يتظاهر بشيء من ذلك، وحج سنة اثنتين وعشرين، فلما رجع طلبه المؤيد فدخل القاهرة واجتمع بفضلائها، ولم يظهر عنه شيء مما كان رمي به من المقالة المذكورة، وكان بعض من اعتنى به أوصاه أن لا يتكلم في شيء من ذلك، فاجتمع به فضلاء العصر وذاكروه وباحثوه وشهدوا له بالفضيلة، ثم رجع إلى القدس فزاره، ثم رجع إلى بلاده وكان قد اثرى إلى الغاية حتى يقال إن عنده من النقد خاصة مائة وخمسين ألف دينار، وكان عارفاً بالقراآت والعربية والمعاني، كثير المشاركة في الفنون، ثم حج سنة ثلاث وثلاثين على طريق أنطاكية ورجع فمات ببلاده في شهر رجب وكان قد أصابه رمد وأشرف على العمى بل يقال إنه عمي ثم رد الله عليه بصره فحج هذه الحجة الأخيرة شكر الله على ذلك، وله تصنيف في أصول الفقه جمع فيه المنار والبزدوي وغيرهما، وأقام في عمله ثلاثين سنة، وأقرأ العضد نحو العشرين مرة، كتب لي بخطه بالإجازة لما قدم القاهرة.
محمد تقي الدين بن الشيخ نور الدين علي بن أحمد بن الأمين، المصري ولد سنة ستين، وتفقه قليلاً، وتكسب بالشهادة مدة طويلة، وكان يحفظ شيئاً كثيراً من الآداب والنوادر، واشتهر بمعرفة الملح والزوائد المصرية وثلب الأعراض خصوصاً