للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها (١) حُفرت بعيون القصب بئر عظيمة فعظم النفع بها، وكانت عيون القصب تجرى من وادٍ عظيم ينبت فيه القصبُ الفارسي ويجرى الماء بين تلك الغابات، وكان للحاج به رفق بحيث يبيتون فيه ليلةً، ثمّ عمرت تلك العيون وصاروا ينتفعون بالحفائر وكان الماء الذي يخرج منها يفسد في ليلته، فأشار ناظر الجيش -لما حجّ- بحفر بئرٍ هناك فخرج ماؤها عذبًا، وحفروا قبل ذلك بئرين بزعيم وقبقاب فاستغنى الناس بهما عن ورود الوجه، والوجه مكانٌ فيه بئران لا يحصل الماء فيهما إلَّا بالمطر، فإذا لم يقع المطر لم يجد الحاج فيهما إلا النزر اليسير ففى الغالب يقع لهم العطش والهلاك، فاستغنوا بالبئرين عن الوجه.

وفيها استقر تاج الدين عبد الوهاب بن الخَطير في نظر الديوان المفرد بعد موت تاج الدين بن الهَيصَم وهو من بيت كبير في القبط، وكان اسمه جرجس ولقبه الشيخ التاج، فأسلم على يد السلطان الأَشرف قبل أن يتسلطن وذلك في الأيام المؤيدية وخدم في ديوان الخاص، ثمّ ولَّاه الأشرف نظر الإسطبل بحكم شغوره عن بدر الدين بن مزهر لما ولى كتابة السر وأُستادارية ولد السلطان، فشُكرت سيرته وأمانته وحسن سياسته وكثرة بره.

وفي ثالث عشر جمادى الأُولى سار سعد الدين [إبراهيم] القبطى المعروف بابن المرأة إلى مكة المكس المتعلِّق بالتُّجار الواصلين إلى جدة، وخرج معه نحو ألف نفس للمجاورة، فلما كانوا فيها بين الوجه وأَكْبِرَة (٢) وجدوا عدة موتى ممّن مات بالعطش في العام الماضى، فلما نزلوا رابغ (٣) خرج عليهم الشَّريف زهير بن سليمان بن زيّان بن منصور ابن جماز بن شيحة الحسينى ومن معه وكانوا نحو مائة فارس وأرادوا نهْبه فصالحوهم على مالٍ بعد أن وقعت بينهم مهاوشة، وقتل ناسٌ قلائل من الطائفتين ودخلوا مكَّة في ثامن عشري جمادى الآخرة فكانت مدة سفرهم ستة وأربعين يومًا، وعارضهم في تاسع عشرى جمادى الآخرة عربُ زَبيد وقيل بل صالحوهم على ألف (٤) دينار بذلها ابن المرأة من ماله.


(١) كان ذلك في ذي القعدة، أنظر في ذلك النجوم الزاهرة ٦/ ٦٧٠ - ٦٧١.
(٢) عرفها مراصد الاطلاع ١/ ١٠٧ بأنها من أودية سلمى الجبل المعروف بطئ وبه نخل وآبار.
(٣) هو واد بين البزراء والجحفة ويمر به الحاج، أنظر مراصد الاطلاع ٢/ ٥٩٢.
(٤) في هـ "مائة دينار" وهو خطأ.