للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القلعة ودامت الأرض تهتز أياما، وسقط من جدار الجامع الأَعظم وخاف أهل البلد كُلهم فخرجوا إلى الصحراء.

وفيها غزاهم الفرنج وكادوا يقبضون عليهم قَبْض اليد فأَدركهم الله بالفرج، فخرج الشيخ يحيى بن عمر بن عثمان بن عبد الحق شيخ الغزاة في أَلفين من الجند وسار نصف الليل حتى بُعد عن عسكر الفرنج وقرر مع أهل البلد أَن يخرجوا إلى الفرنج فإذا حملوا عليهم انهزموا أمامهم، وطمع الفرنج فى أخذ البلد فدهمهم الشيخ يحيى من خلفهم فأطلق النيران في معسكرهم، فجاءهم الصريخ فرجعوا فركب المسلمون أقفيتهم أسرا وقتلًا، فقيل بلغ عدة القتلى زيادةً على ثلاثين ألفا والأسرى إثنى عشر ألفا.

* * *

وفي الرابع والعشرين من المحرم عقد مجلس بين أمير آخور جقمق العلائي الذي ولى السّلطنة بعد ذلك وبين القاضي زين الدين التَّفَهْني -وكان يومئذ مدرس الحنفية بمدرسة قانباي - فقُرئَ محضرٌ يتضمن أنَّ قَانِبَاى فوض النظر للتَّفَهْنى والزّمام، ثمّ عزلهما، وأحضر جقمق جماعةً يشهدون بذلك، فأسرَّ السلطان لناظر الجيش كلامًا فغاب والشهود معه، ثمّ عاد فقال: "اتَّفَقَتْ شهادتهم"، ثم أمر السلطان بعقْد مجلسٍ بالصالحية وادّعى وكيل جقمق على وكيل التَّفَهْني أن التَّفَهنى تكلَّم في المدرسة المذكورة بغير طريق شرعى، فأجاب وكيلُ التَّفَهْنى بأن جقمق ليس ناظرًا إلى أن يثبت ذلك، فوصل كتابُ الوقف بالشَّافعي فوجد فيه أن النظر بعدَه لمن يكون أمير آخور يوم ذلك، فقال الوكيل: "هذا يقتضى التقييد بذلك الوقت وليس فيه تعميم"، فقال الشاهدان على الواقف: "نحن نشهد على الواقف أنه جعل النظر بعده لمن يكون أمير آخور" فوقع البحث في ذلك فادّعى وكيل الحنفى أن له دافعًا، فأُمهل ثلاثة أيام فحكم الحنبلي في غضون ذلك بمقتضى ما شهد به الشاهدان، وأَن ذلك مقبول ولا يقدح في شهادتهما وإنما هو تفسير لما أُبْهِمَ، وانفصل الأَمر على ذلك.

وفى سابع عشر المحرم وصل الأُمراء الذين كانوا مجردين بحلب، وأمر السلطان بإخراج بعض العسكر إلى البلاد الحلبية لدفع قَرايُلُك عن مَلَطْية، وكان نائبها قَانِبَاى البهلوان أرسل يطلب المدد.