للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي ذي القعدة عُقد مجلس بحضرة القضاة الأربعة وقُرْقَماس الحاجب الكبير بإذن السلطان بسبب ما حَكم به نائب الحنفى من هَدْم دار ابن النقاش، وكان السبب في ذلك أن علَم الدين البُلْقِيني كان سأل ناظرَ الجيش أن ينتزع له من كاتبه نظر جامع طولون ونظر الناصرية ليَسْكُت عن طلب العود للقضاء والسعى فيه، فرضى كاتبه بذلك وفوض له ذلك وأخذ توقيعًا سلطانيًا، فمِن حمقه أنه هنأ السلطان بعيد الفطر فشكر السلطان، فقال ينبغي أن تشكر القاضي الذي أعطاك فقال: "أنا ما أعطانى إلا السلطان" وهذا غاية في الحمق والجهل، فإِنَّ الواقف شَرَط النَّظَر للقاضي الشافعي فلو ولاه السلطان بغيره لمْ تصحّ ولايته، فلما بلغنى ذلك صرَّحْت بعزله فما بَالَى بذلك واستمرّ يتحدّث فيهما افْتِيَانًا من غير مبالاة، فلما استمر على التحدّث في جامع طولون استخرج من أوراق أخيه محضرًا كان كتبه على ابن النقاش يتضمّن أن أَمين الدين الطرابلسي -حين كان قاضى الحنفية- حكم عليه بسدّ السراب الذي فتحه في جدار الجامع ليستطرق منه إلى الدخول، وأنَّ البيت الذي بناه من جملة حريم الجامع فيكون له حكم المسجد، وسأل القاضي بدر الدين العينتابي بأَن يأذن لأَحد نوابه أن يحكم بذلك فأَسند ذلك للقاضي ناصر الدين الشَّنَشى فحكم وعرض ذلك على السلطان، فاستعظم الناس هَدْمَ البيت المذكور بعد مضى أربعين سنة أو أكثر، وشاهد ذلك أكابر العلماء والأئمة، فأَمر السلطان بعقد مجلس، فلما اجتمعوا ادعى مدع على ابن النقاش بأن البيت الذي بأيديهم يجب هدمه لأنه عُمر في حريم الجامع فله حكم المستجد (١)، وأنه يجب عليهم أجرة المثل عن المدة الماضية في تركة أبيهم إلى أن مات ثمّ في المدة التي منذ مات يجب من ريعه، فأَجاب بأن أباه استأْذن القاضي جلال الدين البلقيني في استئجار الأرض المذكورة، فأَذن لنائبه القاضى ولى الدين العراقى فى النظر في ذلك، فاستوفى الشروط وأذن لبعض العدول في إجارته فأجَّره بأُجرة معينة مدةً معينة ليبنى في ذلك الزمان ما أراد، واتصل ذلك بالعراقَّي وحكم به، وذلك أن الأرض المذكورة ليست مسجدا، فاتَّصل ثبوت ذلك بالقاضي المالكي في المجلس لكونها شهادة على الخط، ثمّ اتصل بالشافعى فحكم بإبْقَاء البناء المذكور وعدم التعرض لهدْمه؛ وكان ابن النقاش قد سَدّ الاستطراق المذكور فحاول المعلم


(١) في هـ المسجد.