للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبابن الدَّيْرى الكبير، ومهر في الفنون، إلّا الشعر، ثم أقبل على الحديث بكليته فسمع الكثير وعرف العالى والنازل، وقيّد الوفيات وغيرها من الفنون، وشرع في شرحٍ على "الإلمام"؛ وذكر لي بعض أصحابه أنه أقبل على الحديث من سنة خمسٍ وعشرين فأَقبل على النظر فى التواريخ (١) والعمل، وسمع الكثير ببلده ورحل إلى دمشق، ورحل إلى القاهرة فلازمني إلى أن حرّر نسخته من "المشتبه"، غاية التحرير، واغتبط به الطلبة لدماثة خلقه وحُسْنِ وجهه وفعله، وقُدِّرت وفاته في جمادى الآخرة بعد أن هم بالحج صحبةَ ابن المرأة (٢) فلم يتهيّأ له ذلك ووعك إلى أن مات.

وكان من الكملة: فصاحةَ لسانٍ وجرأةً ومعرفةً وقيامًا مع أصحابه ومروءةً وتودّدًا وشرفَ نفس وقناعة باليسير وإظهارًا للغنى مع قلة الشئ، وقد عُرض عليه كثيرٌ من الوظائف الجليلة فامتنع واكتفى بما كان تحصّل له من شيء كان لأبيه، وكان الأكابر يتمنون رؤيته والاجتماع به لما بلغهم من جميل أوصافه فيمتنع إلّا أن يكون الكبيرُ من أهل العلم. الله رحمه تعالى.

١٤ - يحيى بن عبد الله القبطى، علم الدين أبوكُمْ، باشر نظر الأسواق ثم ولى الوزارة في دولة فرج ثم خمل وحجّ وجاور بمكَّة إلى أن مات فى ٢٢ رمضان بالقاهرة وقد جاوز السبعين، وكان إسلامه حسنًا.

* * *


(١) أمامها في هامش هـ بخط البقاعي: "وله مصنف في الحمام، مجلد لطيف جمع فيه بين المنقول والمعقول، ذكر فيه ما ورد في الحمام من الأخبار والآثار محللا له بأقوال العلماء في دخوله وما يتعلق بالعورة واستعمال الماء فيه والاستياك والوضوء والغسل وقدر المكث فيه وحكم الصلاة وأفضل الحمامات وأحسنها وما يتصل بذلك من الطلب، وحكم أجرة الحمام وغير ذلك وهو حسن جدًا"، ويلاحظ أن هذا الوصف قد نقله بنصه السخاوى فى الضوء اللامع، ج ٩ ص ٣٠٧ س ٨ - ١٢، إذ كثيرًا ما ينقل السخاوى عن عنوان الزمان في تراجم الشيوخ والأقران للبقاعي الذي يحققه ناشر إنباء الغمر.
(٢) يعنى بذلك إبراهيم بن المرأة.