فأجازه واختص به ونادمه، ثم بعد إقامته بمصر مدح ملوكها ورؤساءها وقدم أخوه شمس الدين محمد إلى القاهرة صحبة القاضي ناصر الدين ابن البارزي فسعى لأخيه في كتابة السر بطرابلس فوليها، ثم قدم الديار المصرية فقطنها وقرر في كتابة الإنشاء، ثم ولي وظيفة الإنشاء بعد ابن حجة، وكانت بيده وظائف تلقاها عن أبيه فاستمرت معه، وولي قضاء الباب بعد والده فاستمر معه إلى أن مات، واعتراه في آخر عمره انحراف بعد أن كان في غاية اللطافة والكياسة، سمعت من نظمه وصار حتى بلغز في النعام نثراً من إنشائه فأجبته، وكان كثير النفور من الناس جداً، بلغني أنه قارب السبعين مات في ليلة الثلاثاء ثاني المحرم - وقد تقدم ذكر أبيه.
عبد الرحمن القاضي نور الدين بن الشيخ جلال الدين نصر الله، البغدادي أخو قاضي القضاة محب الدين، كان ينوب في الحكم عن اخيه، وناب قبل ذلك على ابن المغلي، وكان في ابتداء أمره حريراً بحانوت على باب القصر، ثم جلس في الشهور إلى أن ناب عن أخيه فحكم فيه، ثم ولي قضاء صفد استقلالاً فأقام بها سبع سنين، ثم حج في أواخر شعبان سنة ٣٧ وجاور سنة ثمان، ورجع إلى القاهرة في أول سنة ٣٩، فأقام بها ينوب عن أخيه إلى أن مات في يوم الجمعة تاسع شعبان، وكان الجمع في جنازته وافراً، ولم اصل عليه لأنه أخرج وقت صلاة الجمعة وأنا صليت في جامع القلعة بالسلطان، ومولده في سنة ٧٨٣، وقدم مع أبيه بعد التسعين وهو أصغر الإخوة، وله سماع من بعض شيوخنا، وكان حسن المودة كثير البشاشة، وفي كثير من أحكامه مقال - والله يعفو عنه!