للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سنة، ويجتمع عنده من النصارى والمسلمين للفرجة والتجارة مالا يُحْصَى حتى صاروا يضاهون بذلك أهل الموقف بعرفة، وأفتى العلماء بهدْم الدّير وإزالة تلك العادة، ففوّض السلطان الأمر للقاضي المالكي فلم يتّفق أنه يقوم بذلك حقّ القيام حتى كان ذلك في السنة المقبلة (١)، فهدم ولله الحمد.

وفيه هرب سليمان [بن أرخن] بن عثمان (٢) مع جماعة من الروم والتركمان في غراب، وكان مقيما بالقلعة من سنة آمد (٣)، فلما عرف السلطان ذلك شَقّ عليه وأرسل في آثارهم، فأتى بهم، فحَبَس الصبيَّ وقطع أيدى قوم وقتل آخرين، وكان السبب في ذلك أن سليمان هذا - وهو ابن أرخن بك بن محمد بن عثمان (٤) - كان عمه مرادُ صاحبُ برصا قبض على والده أرخن وكحله وسجنه، وكان له مملوك يقال له طوغان يقوم بخدمته، فأدخل إليه جارية، وهو في السجن فحملت منه، فلما مات أرخن في السجن فرّ المملوك بسليمان هذا وأخذه شاه زاده إلى حلب، فلما قدم السلطان إليها وقف بهما إليه وأخبره خبرهما فأكرمهما ثم صحبهما معه إلى القاهرة، فأمر سليمان أنْ يمشي في خدمة ولده يوسف، وأقامت أخته في القلعة لتكبر ويتزوجها السلطان أو ولده، فلما كانت ليلة خامس ربيع الأول فرّ سليمان وأخته ومن انضم إليهما، فركبا بحر النيل وتوجها إلى جهة دمياط (٥) لينزلا في مركب إلى بلاد الروم، فبلغ السلطان فأرسل في آثارهما فقبض عليهما وعلى من في المركب وعدّتهم خمسة وستون رجلًا، فوُسّط طوغانُ مملوك سليمان وثمانية من مماليك السلطان [كانوا] صحبوهم، وقطعت أيدي الباقين، ولا ذنب لهم ألبتة لأنهم تجارٌ رافقهم أولئك.

فلما جاء الذين أرسلهم السلطان في طلب المتسحبين خشي التجار على أنفسهم، فدافعوا عنها من غير أن يعلموا الخبر لكونهم قصدوا الاستيلاء عليهم ونهبهم، فظنوا أنهم حرامية، فلما دافعوا عن أنفسهم وقع بينهم الحرب، فغلبوهم وأسروهم، وكان ما كان.


(١) قال المقريزي نفس المصدر والجزء والصفحة في صدد هدم هذا الدير أنه هدم في شهر رمضان سنة ٨٤١ بقيام بعض الفقراء المعتقدين.
(٢) سيرد خبر هروبه فيما بعد، وقد أضيف ما بين القوسين بناء على ما سيرد بعد قليل.
(٣) أعني منذ سنة ٨٣٦.
(٤) هو أرخان بن عثمان جق كما ورد في العيني: السيف المهند في سيرة الملك المؤيد، تحقيق الأستاذ شلتوت. ويتجلى لنا من نطق الاسم عند هذين المؤرخين المعاصر كل منهما الآخر مدى الاختلاف في نطق الأسماء غير العربية ورسمها.
(٥) في هـ "رشيد" وفوقها إشارة لعبارة في الهامش بخط الناسخ وهي "كان لهم هناك غراب مجهز توجهوا لينزلوا فيه فأدركهم قراقر مملوك يوسف ناظر الخاص في قوم كثيرين فأخذهم وأحضرهم إلى القاهرة". اما القراقر ومفردها قرقورة، فأكثرها ما يكون استعمالها للقتال كما جاء في ابن شاهين: زبدة كشف الممالك ص ١٤٢، راجع معجم السفن الإسلامية للنخيلي تحت كلمة "قرقور".