للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإمام لمحاربة سُنْقُر المذكور كما سيأتي بيانه في السنة التي بعدها، وآل الأمر إلى أن صارت المملكة لسُنْقُر وصَيَّرها مُلكًا.

وفيها ورد كتاب صاحب الحبشة يذكر فيها أن البَطْرَك الذي عندهم من قبل البَطْرَك الساكن بمصر مات، ويلتمس من السلطان أن يأمر البطرك أن يجهّز إليهم من عنده بَدَلَهُ، ويذكر فيه مودّته ومحبته، ويوصيه بمن بمصر وأعمالها من النصارى، فتقدم الأمر إلى البطرك بذلك فعَيَّن نصرانيًّا يسمى ميخائيل، وجهّز معه قاصدًا من جهته كان ينوب عنه يسمى "صدقة" ومعه تقليد ميخائيل.

ومن قبل أن يسافر حضر عندهما جماعة من الحبشة النصارى، فشكوا أنهم كانوا في دَيْر وأنّ قطاع الطريق نزلوا عليهم فقتلوا منهم ثلاثةً وهرب من بقى، وسألوا في ترميم كنيسة كانت قديمة ببساتين الوزير (١)، وتركها أهلها من أجل تخريبها، فرفعوا القصّة إلى السلطان، فأذن في ذلك، ورفعوا أمرهم إلى القاضي الحنفي - وهو حينئذ بدر الدين العيني - فكتب لبعض مَن ينوب عنه بالتوجّه لتلك الجهة وإعادة الكنيسة على ما كانت عليه بأنقاضها من غير مزيد على ذلك، ففعل في سنة ٨٤٤ ما سأذكره.

* * *

وفي شهر ربيع الآخر قُبض على جانى بك الصوفي بعد أن كان تحوّل من عند مِرْزا بك إلى جهة ابن قرايلك، فمازال تغرى بَرْمَش - النائبُ بحلب - يُكاتبهُ في أمره إلى أن اتفقا على خمسة آلاف دينار ليقبض عليه، فبلغ ذلك جَانى بك ففر بمن معه، فتتبعوه فَجُرِح في المعركة فقُبض عليه، فكُوتب النائب فجهّز المال ومعه سرية تحمله إلى حلب، وكاتب السلطانَ في ذلك فاتّفقت وفاته ثاني يوم القبض عليه، فوصلت السرية فقبض المال وحُزَّ رأسه (٢) وجُهّزَت إلى حلب ثم إلى القاهرة.


(١) تقع بساتين الوزير هذه قبلى بركة الحبش وتنسب إلى الوزير أبي الفرج محمد بن جعفر بن محمد المغربي البصري الأصل، انظر المقريزي الخطط ٢/ ٥٧١ - ٧٥٤.
(٢) يستدل من رواية أبي المحاسن في النجوم الزاهرة ١٥/ ٨٧ - ٨٩ ما يشكك في الصورة التي كانت عليها نهاية جانبك الصوفي فهو يشير إلى أنه غادر ابن ذلغادر نائب "دوركي" في محرم سنة ٨٤١ بعد انكسارهما ومضى جانبك إلى محمد ومحمود ولدي قرايلك فأكرماه، ولكن تغرى برمش نائب حلب نجح في استمالتهما ووعدهما بجملة كبيرة من المال فطمعا في ذلك فلما علم جانبك بهذا الأمر فر ولكنهما قصاه فأدركاه فأصابه سهم سقط منه عن فرسه فأخذاه وسجناه فمات يوم ٢٦ ربيع الآخر فقطعت رأسه وحملت إلى القاهرة.
وهناك قول آخر هو أن ولدي قرايلك لم يستجيبا لإغراء تغرى برمش وإنما استمرا في إكرام الثاثر حتى إذا ما مات بالطاعون أخفيا خبر موته وقطعا رأسه وبعثا بها إلى تغرى برمش الذي بعث بها إلى السلطان. على أن أبا المحاسن يرجح الراوية الأولى. انظر الدليل الشافي لأبي المحاسن ١/ برقم ٨١٧.