للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووصلوا بها في أول جمادى الأولى، وطيف بها في القاهرة، فاستقرت (١) النفوس وحصل لمن كان يهوى هواه مالا مزيد عليه من الخوف، وبطلت الملحمة، وتبين كذب من افتراها، والأمر كله بيد الله تعالى.

وفي يوم الخميس سابع عشره رفع جماعة أن نور الدين بن سالم - أحد نواب الشافعي - حكم عليه في قضيةٍ فطلبه السلطانُ فحضر، فسأله عن الشهود: "لِمَ لمْ تكْتُبْ أسماءهم في الحكم؟ " فأجاب بأن ذلك ليس شرْطا، فعارض بعضُ مَن حضر، فأمر السلطان بضربه (٢) فضُرب بحضْرته وأخِذَ شاشه (٣)، وأهين إهانة صعبة، فخرج وهو مكسور الخاطر لكونه مظلومًا وكَثُر التأسف عليه، ولم يكن إلّا اليسير حتى وعك السلطانُ وتمادى (٤) أمره إلى أن مات كما سيأتي مفصلًا.

* * *

وفيها وقع الطاعون في نصف الشتاء في البلاد الشامية، فكثر بحماة وبحلب وبحمص، ثم تَحوّل إلى دمشق في أواخر الشتاء، ودخل الدّيار المصرية في أوائل شهر رمضان، فكان في ابتدائه يموت في اليوم نحو العشرين (٥)، ثم بلغ في أواخره نحو الثمانين.

ثم بلغ في أول شوال إلى المائة، ثم إلى المائتين في العشر الأول منه.

* * *

وفي العشر الأخيرة من شهر رمضان توجّه جَكم - ختن السلطان - بإذْنِه - إلى الوجه


(١) هكذا جاء في هـ ولكنها "أسعرت" في ز.
(٢) جاء في هامش هـ بخط البقاعي قوله: "سمعت أن سبب الضرب انما كان أن السلطان كلم بعض من كان حاضرا في أثناء القضية بلسان الترك كلاما يتعلق بذلك الأمر، فأجابه ابن سالم عن ذلك الكلام بالتركي فشق ذلك على السلطان واستقل أدبه وكان ابن سالم جديرا بالإهانة وإن كان فاضلا فإنه ما كان يروج نفسه إلا بالسخف والهزء والسخرية، ولم يكن صينا. وأخبرنا العلامة الخير برهان الدين إبراهيم بن خضر العثماني وكان لا يزال بينه وبين ابن سالم شحناء ومشاققة من حسد ابن سالم له سوء عشرته أنه لقيه يوما قرب بيت ابن سالم فسلم عليه وهش له ودعاه إلى منزله والسرور ظاهر عليه قال: فأجبته رجاء إن يكون ذلك قاطعا للشحناء "فلما استقريت في بيته خرج فظننت أنه دخل إلى المرحاض أو غيره فبقيت وحدي فجاءني عبد كبير له فقال: من أذن لك أن تجلس ها هنا؟ فاستعظمت ذلك. ثم ظننت أنه يعني غيري. فقلت: لمن تقول؟ فقال: "لك يا معرص يا كلب، يا كذا. يا كذا". "واستمر في نحو ذلك فلم أشك في انه هو الذي سلطه فخشيت مما بعد ذلك فخرجت وما كدت أصدق أني أخلص سالما". ويعلق السخاوي في الضوء اللامع ٥/ ٧٥٣ على ذلك أن الأشرف "أهانه ظلما". هذا وقد مات ابن سالم سنة ٨٥٢.
(٣) جاء في هامش هـ بخط البقاعي "لا أصل للشاش في كلام العرب بمعنى العمامة".
(٤) وقد استقر ابن سالم في الجمالية والحسينية والسابقية بعد موت برسباي.
(٥) أشار أبو المحاسن في النجوم الزاهرة ١٥/ ٩٢ إلى أنّ الطاعون أول ما بدأ كان في الأطفال والإماء والعبيد والمماليك انظر حسن حبشي: "الاحتكار في العصر المملوكي وأثره في الحياة العامة" بحث نشر في حوليات جامعة عين شمس. سنة ١٩٥٧.