للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البحري، فهدم دير المغطس، وهو دير روماني من قَبْل الإسلام، لكنهم يبالغون في تعظيمه، ويخصصون له يومًا معينًا كالعيد، يجتمع فيه من جميع أقطار الإقليم، مشاةً وركبانًا، يتشبّهون بالحاجّ، ويجتمع حوْله من الباعة ما جرت به العادة في المواسم الكبار، ويعلنون فيه سبَّ أكابر المسلمين كالصحابة خصوصًا خالد بن الوليد.

وقد تقدّم (١) في حوادث شهر ربيع الأول من السنة الماضية قيام الشيخ ناصر الدين الطنباوي في أمره وسعْيُه في هدْمه فلم يتفق، فقيّضَ الله في هذا الشهر هذا الرجل، وهو جركسي قريب العهد بالإسلام، لكنّ إسلامَه قوي، فعرّفه بعضُ الصلحاء بالقضيّة ففهمها، فقام فيها إلى أن أذن السلطان للقضاة بالحكم في هدمه بعْد أن كان المالكي في تلك المرة قد بالغ في تثبيت مقتضيات هدمه، وأشرف على الحكم، فدسُّوا عليه من أخافه بأن للسلطان غرضًا في ترْكِ هَدْمه وإبقائه مغلقًا فجبن، وركن لمن زعم له أن السلطان حكم بإطلاقه إلى أن يَسّر الله في هذا الوقت بهدمه، ولله الحمد.

* * *

وفي أواخر شهر رمضان سأل السلطانُ مَن يحضر مجلس الحديث عن سبب الطّاعون، فذكر له بعضهم فشُوَّ الزنى، فأمر بمنع النساء من الخروج من بيوتهنَّ إلا العجائز والجواري لقضاء الحوائج اللائي لا بدّ لهنّ، وشدّد في ذلك (٢).

وفي الثاني والعشرين من رمضان صُرِف كاتِب السرّ ابن نصْر الله عن الحسبة واستقرّ دُولَات خَجَا الذي كان وَلى الشرطة في سنة ستٍّ وثلاثين في سفرة آمد.

وفيه أخْرِج الشيخ سرور المغربي (٣) من القاهرة بأمْر السلطان إلى الإسكندرية.

وفي هذا اليوم ظهر جراد كثير جدًّا بعد العصر جاء من قبل المشرق حتى كاد النهار يظلم، فدامَ ساعةً وسار نحو الغرب فلم يبْق له أثر من قَبْل المغرب، ثم في اليوم الذي يليه وقع نظير ذلك في وقته، ثم انقضى أمره.


(١) راجع ما سبق ص ٣٩ - ٤٠.
(٢) جاء في هامش هـ بخط البقاعي: "استمرت النساء في هذا الأمر مدة لا تخرج منهن امرأة من بيتها، وكان حصل بذلك خير كثير فلما مات السلطان انتقض ذلك".
(٣) هو سرور بن عبد الله بن سرور المغربي التونسي المالكي ولد بالقسطنطينية ثم قدم القاهرة وسمع من ابن حجر، وذكر السخاوي في الضوء اللامع ٣/ ٩٢٠ أنه امتحن دون أن يذكر لماذا كان امتحانه في سنة ٨٤٤ وبقى مسلسلا في بعض المراكب، وقيل إنه مات مقتولا في شعبان سنة ٨٤٥.