للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واتفق أَن ذلك كان وقت وفاء النيل فتفاعل المصريون على أينبك بالكسر، فإنه خرج (١) في ليلة الكسر (٢) فلم يلبث الجاليش أَن رجعوا في ثاني ربيع الآخر من بلبيس خوفًا من الأُمراء الذين صحبتهم، وكان ذلك مكيدةً من يلبغا الناصري فإنه قال: "يا أَخى أَينبك، احترز على نفسك فإن برقوق وبركة يريدان قتلك". فلم يكذبه، ففر في الحال قطلوبغا في ثلاثة أَنفس إلى أَخيه.

ويقال إنّ كُتُبَ الأُمراء وردت من الشام إلى مَن بمصر بتوبيخهم على تأمير أَينبك، فرجعوا إلى أَنفسهم وأَجابوهم بالاعتذار وأَنهم معهم، فاطّلع قطلوبغا على ذلك فهرب في ثلاثة أَنفس إلى أَخيه ورجع العسكر وطلع السلطان إلى القلعة، ثم ركب قَطْلَقْتَمر العلائي وأَلطنبغا السلطاني ليلا ومعهما جمع (٣) كبير إلى قبة النصر في ثالث ربيع الأَول. فتوجّه إليهما قطلوقجا في مائتي نفس فأَمسكوه وانكسر عسكره، فلما بلغ ذلك أَينبك هرب فرجع الأُمراءُ إلى الاسطبل، وتحدث قطلقتمر في المملكة في ذلك اليوم خاصة ثم أُمسك في اليوم الذي يليه لأَنه كان نزع لباس الحرب، فاجتمع الأُمراءُ الذين قاموا معه وأَشاروا عليه بتقرير سلطان كبيرٍ من أَولاد الناصر يكون (٤) مالك أَمره، فامتنع (٥).

ثم طلع إليه في ذلك اليوم الأُمراءُ الذين كانوا خامروا على أَينبك وهم: يلبغا الناصري ودمرداش اليوسفى وبلاط الصغير؛ ومن الطبلخانات برقوق وبركة وغير هؤلاء، فتكلموا مع قطلقتمر المذكور في أَمر المملكة، فزاد الكلام ونقص إلى أَن قبضوا عليه، وأُمْسِك معه أَلطنبغا السلطاني ومبارك شاه الطازى فأرسلوا إلى الاسكندرية.

واستقل بالكلام يلبغا النَّاصرى وبرقوق العثمانى وبركة الجوبانى، فركب الثلاثة وأَمسكوا دمرداش اليوسفى وتمرباى الحسنى ونحوهما، فأُرسلوا الجميع إلى الاسكندرية.


(١) ليس معنى هذا أن أينبك خرج بنفسه على رأس العسكر بل الواقع أَنه جعل تقدمة الجيش إلى أخيه قطلوقجا، يؤبد ذلك رواية العيني في تاريخ البدر، ورقة ١٠٠ ا، حيث يضيف إلى ذلك قوله "وبعد رجوعه حضر إلى أخيه فأخبره بالخبر".
(٢) أي ليلة كسر الخليج.
(٣) في نسخة في "جميع العسكر".
(٤) رواية ف "لكونه".
(٥) كان سبب امتناعه عن تقرير أَحد أولاد الناصر رغبته في ألا ينفرد وحده بمثل هذا الأمر، فيذكر العيني أنه قال "حتى يأتى إخوتنا" يعنى بذلك الأمراء الآخرين الذين كانوا مع قطلوقجا، راجع أبا المحاسن: النجوم الزاهرة، ١١/ ١٥٨.