فسار عنده سيرة حسنة، لانه كان يحب أهل القرآن ويدرس فيه ويقرب أهله ويتدين ويتعفف، فعظم قدره عند أستاذه بذلك إلى أن مات، فلما أن مات خمل قليلاً ثم اتصل بالملك الأشرف بواسطة جوهر اللالا الذي تقدم ذكر وفاته سنة ٤٢، فاستخدمه في باب السلطان وقربه منه، فأنس به لما فيه من العقل والسكون والتدبير، فلما مات في الزمام قرر في الوظيفة خشقدم الذي كان خازندارا وقرر - في وظيفته جوهر المذكور، فباشر في أول أمره مباشرة حسنة وتقرب من الناس جداً وتزاحموا على بابه وصار يقضي حاجة من ينتمي إليه فاشتهر بذلك فهرعوا إليه، ثم تقرب إلى السلطان بتحصيل الأموال من وجوه أكثرها لا تحل. فكان يقربه ويتبرأ عند الناس من ذلك ويظهر الإنكار سراً، وهو السبب الأعظم في إطلاق أموال التجار ورخص بضاعاتهم وغلبة الفرنج لهم، حتى صار التاجر يغيب السنة فما فوقها بمصر - ويحضر - فلا يستطيع أن يبيع حملاً واحداً من بضاعته ولا يجد من يشتريه ويستدين نفقته على نفسه وعياله وعنده ما يساوي عشرة آلاف دينار، فبقوا على هذا البلاء بقية مدة الأشرف نحو العشر سنين، ثم تمادى الحال على ذلك بعده، وأضيفت إليه بعد الاشرف وظيفة الزمام، فإن جوهرا الزمام لما قبض عليه بسبب هرب العزيز قرر عوضه فيروز الجركسي، فلما غضب السلطان عليه بسبب هرب العزيز قرر هذا في وظيفة الزمام مضافة إلى الخازندارية، فجمع الوظيفتين ولكنه لم يتمكن مما كان يفعله أيام الاشرف وصار في دولة الظاهر خائفاً يترقب ويتوقع الإيقاع به ولكن زوج السلطان كانت اتصلت به بعد ابن الكويز، فلما سكنت القلعة وعزل فيروز ساعدت جوهراً هذا ووصفت للسلطان سيرته، فقرره مع أنه كان يعرف ما كان يعامل به الناس أيام الأشرف وهو أحد من كان ينكر سيرته ومع ذلك أغضى عنه إلى أن حصل له في موضع مباله دمل فآلمه وحبس عنه الإراقة، ثم فتح فتألم منه شديداً لكنه استراح بفتحه من الألم، ثم ربا في موضع آخر فأقام بذلك نحو الشهرين واشتد به الأمر في العشر الأوسط من رجب وارجف بموته، ثم كانت وفاته في ليلة الاثنين أول شعبان من اشهر العرب - آخر يوم من كيهك من شهور القبط - وقد جاوز السبعين،