مسرورون بمسيرنا إلى رودس لكثرة أذاهم له، واعتذروا عن هرب القرى المجاورة بنحو اعتذاري عنهم. وفي ذلك اليوم رأى بعض المسلمين مركبين أشرفوا علينا من بعد بحيث رأوا مراكبنا ثم ذهبوا فقصدوا المسير إليهم، فلم يكن في الأغربة من يصلح لذلك من النوتية ولا من الجند ليفرقهم في تلك الأراضي، ثم رحلنا من اللمسون ليلة السبت خامس الشهر فأرسينا على اللمسون عصر يومها، ثم سرنا يوم الاثنين بالمقاذيف وتفرقت المراكب لعدم الريح وعدم المقاذيف في بعضها فأرسينا على الرأس الأبيض في ذلك اليوم، ثم سرنا منه ليلة الثلاثاء خامس عشر الشهر مع معاكسة الهواء وجر أصحاب المقاذيف العريين عنها فارسينا قريباً من ذلك المنزل، ثم سرنا صبيحة يوم الأربعاء سادس عشره فأرسينا على قرية قريبة من الباف، فجاءت رسل صاحب قبرس فأخبروا عن مقدار الضيافة وشكوا ما فعل في بلادهم وتوجعوا، وظهر منهم الخداع إما لما فعل ببلادهم أو لغير ذلك، فاستقل أميرنا هديتهم وغضب لعدم مجيء ملكهم وإحضارهم لما بقي عندهم من المال، واعتذروا عما فعل في بلادهم بأنه فعل بعض الأتباع بغير علمه على أنهم معذورون لعدم المبادرة باللقاء وإحضار الضيافة والإخبار بالطاعة، فرحل ليلة الخميس سابع عشره معرجاً عن الباف لئلا يأخذ هديتهم، فتعديناها وأرسينا على رأس الصندفاني، ثم رحلنا صبح يوم الجمعة ثامن عشر الشهر مع عدم الريح، فاستمرينا ندور في البحر ونحن بحيث نرى الجبال إلى أن قصدنا البر فأرسينا به ليلة الأحد في هذه المنزلة فاستقينا، ثم رحلنا يوم الأحد العشرين منه فنزلنا على مدينة العلايا من بر التركية ليلة الخميس رابع عشري الشهر، وحصلت هناك زلزلة عظيمة قبل غروب شمس يوم الجمعة خامس عشره - بنحو عشر درج رجفت منها الأرض ثلاث رجفات، ثم سرنا عنها يوم الاثنين ثامن عشري اشهر، فأرسينا على مدينة
أنطاليا ليلة الأربعاء مستهل جمادى الآخرة، ثم سرنا عنها ضحى ذلك اليوم فأرسينا على آغو ليلة الخميس ثانيه - لاجتماع الناس، وكان قد حصل لهم ريح عاصف فرقهم وضعضع بعضهم، فاجتمعوا إلا اثنين: أحدهما لم يقعوا له على خبر والثاني أخبروا انه في أنطاكيا يصلح خللاً حصل في غرابه، فأمر يشبك الفقيه بالرجوع لمساعدته، فرجع ليلة الأحد خامس الشهر، وسار الأمير بالجيش نحو رودس، فرجعنا إلى أنطاكيا في ذلك اليوم، فلما أصلح المركب سرنا ليلة الثلاثاء سابع الشهر فلحقنا بعض العسكر عند رأس الشالدون فأرسينا جميعاً على منزلة فنيكة، ثم سرنا منها تلك الليلة فلحقنا جميع العسكر في بكرتها عند مجاز القيقبون ومعهم بتخاص وكان مر على المراكب ليلاً فلم يرها وظنهم تقدموا، فلما قرب من القيقبون وجدوا أربعة من مراكب الفرنج فطلبوه فرجع ونذر بهم التركمان، فاجتمعوا في البر فتركوه ورجعوا، فعلم أن الجيش وراءه فاستمر راجعاً حتى نام في فنيكة، وبلغ الأمير خبره فأرسل في أمره نجدة فوجدوه في فنيكة - وفي هذا اليوم أرسلنا بالقيقيون، ووجدوا هنالك امرأة جالسة على الجبل، فأحضروها إلى أمير فقالت: إنها كان تسحر جيش المسلمين ثم هداها الله تعالى إلى الإسلام فأسلمت، فأبطل الله تعالى باطل سحرهم، وأوقعهم في حبائل كفرهم وأشراك كيدهم ومكرهم - ثم سرنا في أواخر ليلة الجمعة عاشر الشهر فأرسينا ضحى يومها بمنزلة إينوا، ثم سرنا منها في أوائل ليلة السبت حادي عشره فأرسينا في أواخرها على قشتيل الروج، وهو حصن منيع على جبل رفيع في طرف جزيرة تقرب مساحتها من مساحة القاهرة من الحسينية إلى القرافة ومن تربة برقوق إلى بولاق فشارفه بعض شبان المسلمين فصعد إليهم بعض الأكابر فتلطف بهم حتى ردهم، فظن الفرنج انهم خافوا فرموا عليهم بمكحلة وهزأوا بهم، فأثر الكلام في الناس فكلم بعضهم الأمير في قتالهم فمنع منه وأقلع للسفر، ثم أكثروا عليه في ذلك فرده الله تعالى لأمر قدره وقضاه، وارتضاه في سالف الازل فأمضاه، فوثب الناس إليهم وثوب الآساد، وسمحوا بأرواحهم سماح الاجواد، ووقع قائم الزحف، وقام قاعد الحتف، وتقدمت الأبطال، وتميزت فحول الرجال، وعملت المعاول في السور، وبان هنالك الرجل الصبور، وتراشق الناس بالنبال، وتراموا بالجنادل الخفاف والثقال، فطارت رسل السهام، بمر شراب الحمام، ودارت على البرايا، كؤوس المنايا، وألقوا بالدرق والحنويات، والدروع الداوديات - ولله در المقاليع! فلقد كانت كأنها المناجيق - ولله أصحابها! فلقد كان الأقوياء يسترون بعض أجسامهم بدروع الحديد وكانوا هم يعدون جميع أبدانهم حديداً، ويرمون رمياً شديداً، ثم أحجموا عن مجاورة السور إلى جدار الحصن وهبت ريح الصبا من حين قتالهم إلى ظهر يوم الاثنين ثاني عشر الشهر، فكان ذلك من آيات القول المحمدي نصرت بالصبا وفي ذلك اليوم حطم الناس واشتد البؤس، وقامت الحرب على ساق، وكلت من النظر الاحداق، اشتكت إلى أبدانها الأعناق، واستداروا بالحصن من غالب الجوانب، وكثر في رمينا الصائب؛ فحمي الوطيس، وخذل إبليس أخطأت كثيراً سهامهم ومكاحلهم، وأصيبت دروعهم ومقاتلهم، وحينئذ استدارت الريح دبوراً فكانت من علامات إهلاكهم، وأهلكت عاد بالدبور، وهدت مكحلتنا عند ذلك ناحية من الجدار، وأضرم بسهم خطاي من تحته نار؛ وكان ذلك من بديع الآيات، وعظيم العنايات، وما زالت تقلله تقليلاً، وتهدمه قليلاً قليلاً، إلى أن هدمت منه جانباً كبيراً، وكان يوماً على الكافرين عسيراً. اليلة الأربعاء مستهل جمادى الآخرة، ثم سرنا عنها ضحى ذلك اليوم فأرسينا على آغو ليلة الخميس ثانيه - لاجتماع الناس، وكان قد حصل لهم ريح