للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٤ - قاسم البشتكي، مات في (١) أول شهر رجب بأرض يُبْنَي من عمل غزة، وكان له فيها أرض خراجية فأقام بها، وكانت له وجاهة، وتزوّج بنت الملك الأشرف شعبان قديمًا، ورأس وكان يحبّ أهْلَ العلم ويقرّبهم، واشتغل، ثم حصلت له حظوة في دولة الملك المؤيد، وولى نظر الجوالى فباشرها بحرمة وشهامة، ثم حطّ عليه كاتب السّر ناصر الدين بن البارزي، وكانت عنده وسوسة وخفّة، ثم غضب عليه المؤيّد وضربه، ثم من بعده تنقلّت به الأحوال، ولم يَحْظَ في دولة الأشرف بطائل، وركبه الدين فتوجّه إلى أرْضه المذكورة، ورافقنا في السفر إلى حلب، ثم إلى ألبيرة، ثم رجع معنا إلى حلب بإذن من الأشرف، وذلك آخر عهدى به إلى أن مات غريبًا وقد جاوز السّتين.


= القرآن"، فحفظه في مدة يسيرة، فقال: "ثم رجعت إلى عجلون فقدم علينا الشيخ شهاب الدين بن عباس فقرأت عليه القرآن أخماسًا تجويدًا، وكان أزهد واحد في عجلون شيئًا، قال ثم خطر لى أن أزور قبور الصالحين ببغداد فقصدتها. فلما وصلت إلى كلز في بلاد حلب مرضت فاقمت بها مدة ثم تزوجت بها، وكان بها كبير يظلم الناس فكنت أخذ على يده. وطال ذلك منى ومنه، فأراد قتلى، فسهرت ليلة في مسجد بها خراب أدعو عليه، فكنت أتوسل بالنساء الصحابيات أزواج النبي صلى الله عليهن وبناته وغيرهن، وكنت أنشد:
لئن كان أصحاب اللما يجرنني … خطبت النسا من صاحبات البراقع
أو نحو هذا قال: "ولم أزل كذلك حتى رأيت جدار المسجد القبلي قد انشق ودخل منه فارس مقنع بالحديد ونوديت: هذا المقداد بن الأسود أتى لينصرك، فأصبح ذلك الرجل قتيلًا".
وحكى لى بعض الطلبة عنه أجوبة حسنة وكلامًا جزلًا، وأنه كان يخبر ببعض المغيبات فتقع كما قال وكان يستند هو إلى منامات يراها، وكان من أعلم الناس بالتعبير. من ذلك أنه قال إن عبد الباسط يؤخذ في هذه الجمعة فيصاب في جاهه وماله ويسلم بدنه، فقلت له أنا والعلامة شمس الدين القاياتي: من أين لك هذا؟ فقال: ما شأنه قد احترق فصار جمرة، ثم انطفا فصار فحمة، "فاولت النور بجاهه وماله، والفحمة بجسده لم يصر رمادًا، فكان في تلك الجمعة أن قبض عليه وصودر ونفي. قال: وسأله القاياتي عن إينال الجكمي فقال: "انتصر" فقدم رأسه عن قريب قال: فقلت له ما الذي صار إذا كان غير ما أقول؟ المؤمن إذا كان صاحب حظ تغشى أخطاره قداسته، وأنا صاحب حظ تغشى في هذا، لأني أبغض جقمق لأنه ذو طوية نجسة قال: "فلما خرج عليه قرقماس أخبرني أنه طلع فوق سطح، فلم يزل يدعو للظاهر حتى انهزم قرقماس "وقال: فقلت له: فاين بغضك للظاهر؟ فقال: موجود ولكن أعور خير من أعمى، لو ولى قرقماس لم تُطِقُه الناس".
قال: وسألته عن الشيخ أبي بكر بن أبي الوفا، فقال: "رجل يقوم بحقوق العباد" فقلت. فالشيخ عبد الملك الموصلي؟ "فقال: رجل منطق". قلت: فابن رسلان؟ فقال: عابد خائف".
وكان يقول: أنا لا أخشى على الشيخ محمد الحنفي ومحمد بن سلطان وأبي الفتح بن وفا سوء الخلقة، لأن الإنسان إذا لم يكن له حال مع الله وأخبر أن له معه حالًا خيف عليه، ذلك لقوله تعالى (ومن اظلم ممن افترى على الله كذبًا) الآية. وحدثني عنه بأشياء كلها حسنة.
قال: وكان كثير التلاوة والعبادة. ونفعنا به آمين.
(١) الوارد في الضوء اللامع ٦/ ٦٤٨ أنه مات يوم السبت ثامن رجب ٨٤٤ هـ. أما فيما يتعلق بيبنى، فانظر ما أورده عنها ياقوت، وما نقله عنه ابن عبد الحق في مراصد الاطلاع، والإصطخرى وراجع أيضًا .. Le Strange : Palestine Under The Moslems P.٥٥٣